ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهَا مَصَّرَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الْكُوفَةَ، دَلَّهُمْ عَلَيْهَا ابْنُ بُقَيْلَةَ، قَالَ لِسَعْدٍ: أَدُلُّكَ عَلَى أَرْضٍ ارْتَفَعَتْ عَنِ الْبَقِّ، وَانْحَدَرَتْ عَنِ الْفَلَاةِ؟ فَدَلَّهُمْ عَلَى مَوْضِعِ الْكُوفَةِ الْيَوْمَ. قَالَ: وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ الرُّومِ ; وَذَلِكَ لَمَّا انْصَرَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ مِنْ وَقْعَةِ فِحْلٍ قَاصِدِينَ إِلَى حِمْصَ، حَسَبَ مَا أَمَرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، فَسَارَا حَتَّى نَزَلَا عَلَى ذِي الْكَلَاعِ، فَبَعَثَ هِرَقْلُ بِطْرِيقًا يُقَالُ لَهُ: تُوذَرَا. فِي جَيْشٍ مَعَهُ. فَنَزَلَ بِمَرْجِ دِمَشْقَ وَغَرْبِيِّهَا، وَقَدْ هَجَمَ الشِّتَاءُ، فَبَدَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَرْجِ الرُّومِ، وَجَاءَ أَمِيرٌ آخَرُ مِنَ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ: شَنَسُ. وَعَسْكَرٌ مَعَهُ كَثِيفٌ، فَنَازَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَاشْتَغَلُوا بِهِ عَنْ تُوذَرَا، فَسَارَ تُوذَرَا نَحْوَ دِمَشْقَ لِيُنَازِلَهَا وَيَنْتَزِعَهَا مِنْ يَدِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَتْبَعُهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ دِمَشْقَ، فَاقْتَتَلُوا، وَجَاءَ خَالِدٌ وَهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ فَجَعَلَ يُقَتِّلُهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَيَزِيدُ يُقَصِّلُ فِيهِمْ مِنْ أَمَامِهِمْ، حَتَّى أَنَامُوهُمْ وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّارِدُ، وَقَتَلَ خَالِدٌ تُوذَرَا، وَأَخَذُوا مِنَ الرُّومِ أَمْوَالًا عَظِيمَةً فَاقْتَسَمَاهَا، وَرَجَعَ يَزِيدُ إِلَى دِمَشْقَ وَانْصَرَفَ خَالِدٌ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَجَدَهُ قَدْ وَاقَعَ شَنَسَ بِمَرْجِ الرُّومِ، فَقَتَلَهُمْ فِيهِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً حَتَّى أَنْتَنَتِ الْأَرْضُ مِنْ زَهَمِهِمْ، وَقَتَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ شَنَسَ، وَرَكِبُوا أَكْتَافَهُمْ إِلَى حِمْصَ، فَنَزَلَ عَلَيْهَا يُحَاصِرُهَا.