يَزَلْ أَمْرُ الصَّحَابَةِ يَزْدَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عُلُوًّا وَشَرَفًا وَرِفْعَةً، وَيَنْحَطُّ أَمْرَ الْفُرْسِ سُفْلًا وَذُلًّا وَوَهَنًا.
وَلَمَّا رَجَعَ رُسْتُمُ إِلَى الْمَلِكِ يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِ مَنْ رَأَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَذَكَرَ لَهُ عَقْلَهُمْ وَفَصَاحَتَهُمْ وَحِدَّةَ جَوَابِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَرُومُونَ أَمْرًا يُوشِكُ أَنْ يُدْرِكُوهُ، وَذَكَرَ لَهُ مَا أَمَرَ بِهِ أَشْرَفَهُمْ مِنْ حَمْلِ التُّرَابِ، وَأَنَّهُ اسْتَحْمَقَ أَشْرَفَهُمْ فِي حَمْلِهِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَوْ شَاءَ اتَّقَى بِغَيْرِهِ وَأَنَا لَا أَشْعُرُ. فَقَالَ لَهُ رُسْتُمُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِأَحْمَقَ وَلَيْسَ هُوَ بِأَشْرَفِهِمْ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ قَوْمَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ ذَهَبُوا بِمَفَاتِيحِ أَرْضِنَا. وَكَانَ رُسْتُمُ مُنَجِّمًا، ثُمَّ أَرْسَلَ رَجُلًا وَرَاءَهُمْ، وَقَالَ: إِنْ أَدْرَكَ التُّرَابَ فَرَدَّهُ تَدَارَكْنَا أَمْرَنَا، وَإِنْ ذَهَبُوا بِهِ إِلَى أَمِيرِهِمْ غَلَبُونَا عَلَى أَرْضِنَا. قَالَ: فَسَاقَ وَرَاءَهُمْ فَلَمْ يُدْرِكْهُمْ، بَلْ سَبَقُوهُ إِلَى سَعْدٍ بِالتُّرَابِ. وَسَاءَ ذَلِكَ فَارِسَ وَغَضِبُوا مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْغَضَبِ، وَاسْتَهْجَنُوا رَأْيَ الْمَلِكِ.
فَصْلٌ سَعْدٌ يَمْرَضُ فِي الْقَادِسِيَّةِ.
كَانَتْ وَقْعَةُ الْقَادِسِيَّةِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَكُنْ بِالْعِرَاقِ أَعْجَبُ مِنْهَا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَوَاجَهَ الصَّفَّانِ كَانَ سَعْدٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ أَصَابَهُ عِرْقُ النَّسَا، وَدَمَامِلُ فِي جَسَدِهِ، فَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوبَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي قَصْرٍ مُتَّكِئٍ عَلَى صَدْرِهِ فَوْقَ وِسَادَةٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الْجَيْشِ وَيُدَبِّرُ أَمْرَهُ، وَقَدْ جَعَلَ أَمْرَ الْحَرْبِ إِلَى خَالِدِ بْنِ