وَسَرَّحَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَعَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو وَدَلِيلَاهُمَا مَالِكُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَالِمُ بْنُ نَصْرٍ، أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِيَوْمٍ، وَخَرَجَ خَالِدٌ - يَعْنِي فِي آخِرِهِمْ - وَدَلِيلُهُ رَافِعٌ، فَوَاعَدَهُمْ جَمِيعًا الْحَفِيرَ لِيَجْتَمِعُوا بِهِ، وَيُصَادِمُوا عَدُوَّهُمْ، وَكَانَ فَرْجُ الْهِنْدِ أَعْظَمَ فُرُوجِ فَارِسَ شَأْنًا وَأَشَدَّهَا شَوْكَةً، وَكَانَ صَاحِبُهُ يُحَارِبُ الْعَرَبَ فِي الْبَرِّ، وَالْهِنْدَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ هُرْمُزُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ، فَبَعَثَ هُرْمُزُ بِكِتَابِ خَالِدٍ إِلَى شِيرَى بْنِ كِسْرَى، وَأَرْدَشِيرَ بْنِ شِيرَى، وَجَمَعَ هُرْمُزُ وَهُوَ نَائِبُ كِسْرَى، جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى كَاظِمَةَ، وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ قُبَاذُ وَأَنُوشَجَانُ - وَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ - وَقَدْ تَقَرَّنَ الْجَيْشُ فِي السَّلَاسِلِ ; لِئَلَّا يَفِرُّوا، وَكَانَ هُرْمُزُ هَذَا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ طَوِيَّةً وَأَشَدِّهِمْ كُفْرًا، وَكَانَ شَرِيفًا فِي الْفُرْسِ، وَكَانَ الرَّجُلُ كُلَّمَا ازْدَادَ شَرَفًا زَادَ فِي حِلْيَتِهِ، فَكَانَتْ قَلَنْسُوَةُ هُرْمُزَ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَقَدِمَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ، وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا فَنَزَلَ تُجَاهَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَشَكَى إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: جَالِدُوهُمْ حَتَّى تُجْلُوهُمْ عَنِ الْمَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلُ الْمَاءِ لِأَصْبَرِ الطَّائِفَتَيْنِ. فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ الْمَنْزِلُ وَهُمْ رُكْبَانٌ عَلَى خُيُولِهِمْ، بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْهُمْ حَتَّى صَارَ لَهُمْ غُدْرَانٌ مِنْ مَاءٍ، فَقَوِيَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَفَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا تَوَاجَهَ الصَّفَّانِ وَتَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ،