فَعَلُوا مِنَ الْعُدْوَانِ، وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى هَذِهِ الْمَبْنِيَّةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَيُكَذِّبَهُمْ فِيمَا افْتَرَوْهُ عَلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّهِ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ - أَيْ يَتْرُكُهَا - وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ، يَعْنِي أَوْ يَقْتُلُهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَّرَهُ عَلَيْهِ وَسَوَّغَهُ لَهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
بَابٌ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُمَاثِلَةٌ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.
التَّنْبِيهُ عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُمَاثِلَةٍ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، أَوْ أَعْلَى مِنْهَا، خَارِجًا عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الْآبَادِ، وَلَا يَخْفَى بُرْهَانُهَا، وَلَا يَنْخَفِضُ شَأْنُهَا، وَقَدْ تَحَدَّى بِهِ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ