{أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: 40] . أَيْ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40] أَيِ الْمُسْتَقِيمُ وَالصِّرَاطُ الْقَوِيمُ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40] . أَيْ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ مَعَ وُضُوحِهِ وَظُهُورِهِ، وَكَانَتْ دَعْوَتُهُ لَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ نُفُوسَهُمَا مُعَظِّمَةٌ لَهُ مُنْبَعِثَةٌ عَلَى تَلَقِّي مَا يَقُولُ بِالْقَبُولِ فَنَاسَبَ أَنْ يَدْعُوَهُمَا إِلَى مَا هُوَ الْأَنْفَعُ لَهُمَا مِمَّا سَأَلَا عَنْهُ وَطَلَبَا مِنْهُ، ثُمَّ لَمَّا قَامَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَ إِلَى مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ قَالَ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41] . قَالُوا: وَهُوَ السَّاقِي {وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} [يوسف: 41] . قَالُوا: وَهُوَ الْخَبَّازُ {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41] . أَيْ وَقَعَ هَذَا لَا مَحَالَةَ وَوَجَبَ كَوْنُهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ» .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ نَرَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُمَا: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41] . {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] . [يُوسُفَ: 42] يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا وَهُوَ السَّاقِي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] . يَعْنِي اذْكُرْ أَمْرِي، وَمَا أَنَا فِيهِ مِنَ السَّجْنِ بِغَيْرِ جُرْمٍ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّعْيِ فِي الْأَسْبَابِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّوَكُّلَ عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ. وَقَوْلُهُ: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42] . أَيْ فَأَنْسَى النَّاجِيَ مِنْهُمَا الشَّيْطَانُ