فَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى مُصَلَّاهُ فَصَلَّى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجِيبَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الصَّخْرَةَ أَنْ تَنْفَطِرَ عَنْ نَاقَةٍ عَظِيمَةٍ كَوْمَاءَ عُشَرَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي طَلَبُوا وَعَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَعَتُوا، فَلَمَّا عَايَنُوهَا كَذَلِكَ رَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا، وَمَنْظَرًا هَائِلًا، وَقُدْرَةً بَاهِرَةً، وَدَلِيلًا قَاطِعًا، وَبُرْهَانًا سَاطِعًا فَآمَنَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَاسْتَمَرَّ أَكْثَرُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَعِنَادِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَظَلَمُوا بِهَا} [الأعراف: 103] . أَيْ جَحَدُوا بِهَا، وَلَمْ يَتَّبِعُوا الْحَقَّ بِسَبَبِهَا. أَيْ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانَ رَئِيسُ الَّذِينَ آمَنُوا جُنْدَعَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِخْلَاةَ بْنِ لَبِيدِ بْنِ جَوَّاسٍ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَهُمْ بَقِيَّةُ الْأَشْرَافِ بِالْإِسْلَامِ فَصَدَّهُمْ ذُؤَابُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لَبِيدٍ، وَالْحُبَابُ صَاحِبُ أَوْثَانِهِمْ، وَرَبَابُ بْنُ صَمْعَرِ بْنِ جَلْهَسٍ، وَدَعَا جُنْدَعٌ ابْنَ عَمِّهِ شِهَابَ بْنَ خَلِيفَةَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَهَمَّ بِالْإِسْلَامِ فَنَهَاهُ أُولَئِكَ فَمَالَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ: مِهْرَشُ بْنُ غَنْمَةَ بْنِ الدُّمَيْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ شِعْرًا:
وَكَانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْرٍو ... إِلَى دِينِ النَّبِيِّ دَعَوْا شِهَابَا
عَزِيزَ ثَمُودَ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ... فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيبَ وَلَوْ أَجَابَا
لَأَصْبَحَ صَالِحٌ فِينَا عَزِيزًا ... وَمَا عَدَلُوا بِصَاحِبِهِمْ ذُؤَابَا
وَلَكِنَّ الْغُوَاةَ مِنْ آلِ حِجْرٍ ... تَوَلَّوْا بَعْدَ رُشْدِهِمُ ذِئَابَا