اسْتَبْعَدُوا أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا بَشَرِيًّا، وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ أَدْلَى بِهَا كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الْكَفَرَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} [يونس: 2] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: 94] . أَيْ ; لَيْسَ هَذَا بِعَجِيبٍ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. وَقَوْلُهُ: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: 35] . أَيْ ; يَمُوتُ قَوْمٌ وَيَحْيَا آخَرُونَ. وَهَذَا هُوَ اعْتِقَادُ الدَّهْرِيَّةِ، كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ الزَّنَادِقَةِ: أَرْحَامٌ تَدْفَعُ، وَأَرْضٌ تَبْلَعُ.
وَأَمَّا الدُّورِيَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ بَعْدَ كُلِّ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ، وَكُفْرٌ وَجَهْلٌ وَضَلَالٌ، وَأَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ، وَخَيَالٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَا دَلِيلٍ يَسْتَمِيلُ عَقْلَ الْفَجَرَةِ الْكَفَرَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 113] . وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا وَعَظَهُمْ بِهِ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 128] . يَقُولُ لَهُمْ: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ بَنَاءً عَظِيمًا هَائِلًا كَالْقُصُورِ، وَنَحْوِهَا