يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْأَحْيَاءِ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَلَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لَمْ تَكُنْ بُقْعَةٌ فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَلَهَا مَالِكٌ وَحَائِزٌ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 42] . أَيْ ; لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَنْ تَبْلَعَ مَاءَهَا، وَأَمَرَ السَّمَاءَ أَنْ تُقْلِعَ. أَيْ تُمْسِكُ عَنِ الْمَطَرِ وَغِيضَ الْمَاءُ. أَيْ نَقَصَ عَمَّا كَانَ وَقُضِيَ الْأَمْرُ، أَيْ وَقَعَ بِهِمُ الَّذِي كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ، مِنْ إِحْلَالِهِ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44] . أَيْ ; نُودِيَ عَلَيْهِمْ بِلِسَانِ الْقُدْرَةِ بُعْدًا لَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} [الأعراف: 64] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} [يونس: 73] .