فَصْلٌ
فِي مَنْشَئِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ وَحِيَاطَتِهِ وَكَيْفَ
كَانَ يَتِيمًا فَآوَاهُ وَعَائِلًا فَأَغْنَاهُ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَشَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْلَؤُهُ اللَّهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أَقْذَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِمَا يُرِيدُ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَرِسَالَتِهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَكْرَمَهُمْ حَسَبًا، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الَّتِي تُدَنِّسُ الرِّجَالَ; تَنَزُّهًا وَتَكَرُّمًا. حَتَّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إِلَّا الْأَمِينُ لِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ اللَّهُ يَحْفَظُهُ بِهِ فِي صِغَرِهِ، وَأَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِ أَنَّهُ قَالَ «لِقَدْ رَأَيْتُنِي فِي غِلْمَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ، نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ لِبَعْضِ مَا يَلْعَبُ الْغِلْمَانُ، كُلُّنَا قَدْ تَعَرَّى وَأَخَذَ إِزَارَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ; يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ فَإِنِّي لَأُقْبِلُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ، وَأُدْبِرُ إِذْ لَكَمَنِي لَاكَمٌ مَا أَرَاهُ لَكْمَةً