الْعَهْدَ، وَحَصَّنَ قَلْعَتَهَا، وَحَصَلَ فِيهَا عِدَدًا وَمَدَدًا، وَادَّخَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً بِسَبَبِ الْإِقَامَةِ بِهَا وَالِامْتِنَاعِ فِيهَا، فَجَاءَتِ الْبَرِيدِيَّةُ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ بِأَنْ يَرْكَبَ هُوَ وَجَمِيعُ جَيْشِ دِمَشْقَ إِلَيْهِ، فَتَجَهَّزَ الْجَيْشُ لِذَلِكَ وَتَأَهَّبُوا، ثُمَّ خَرَجَتِ الْأَطْلَابُ عَلَى رَايَاتِهَا، فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا بَعْضٌ بَدَا لِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَرَدَّهُمْ، وَكَانَ لَهُ خِبْرَةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَى تَجْرِيدِ أَرْبَعَةِ مُقَدَّمِينَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَهُ، وَقَعَتْ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ بِمِنًى، وَذَلِكَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْأُمَرَاءُ الْمِصْرِيُّونَ وَالشَّامِيُّونَ مَعَ صَاحِبِ الْيَمَنِ الْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا قَرِيبًا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ، ثُمَّ انْجَلَتِ الْوَقْعَةُ عَنْ أَسْرِ صَاحِبِ الْيَمَنِ الْمُجَاهِدِ، فَحُمِلَ مُقَيَّدًا إِلَى مِصْرَ، كَذَلِكَ جَاءَتْ بِهَا كُتُبُ الْحُجَّاجِ، وَهُمْ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ.
وَاشْتَهَرَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّ نَائِبَ حَلَبَ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ أَرْغُونَ شَاهْ الْكَامِلِيَّ قَدْ خَرَجَ عَنْهَا بِمَمَالِيكِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَرَامَ الْجَيْشُ الْحَلَبِيُّ رَدَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، وَجُرِحَ مِنْهُمْ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاسْتَمَرَّ ذَاهِبًا، وَكَانَ فِي أَمَلِهِ - فِيمَا ذُكِرَ - أَنْ يَتَلَقَّى سَيْفَ الدِّينِ بَيْبُغَا فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِ الْحِجَازِ فَيَقَدَمَ مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ، وَإِنْ كَانَ نَائِبُ دِمَشْقَ قَدِ اشْتَغَلَ فِي حِصَارِ صَفَدَ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهَا بَغْتَةً فَيَأْخُذَهَا، فَلَمَّا سَارَ بِمَنْ مَعَهُ، وَأَخَذَتْهُ الْقُطَّاعُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَنُهِبَتْ حَوَاصِلُهُ، وَبَقِيَ تَجْرِيدَةٌ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ مَمَالِيكِهِ، فَاجْتَازَ بِحَمَاةَ لِيُهَرِّبَهُ نَائِبُهَا فَأَبَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِحِمْصَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ بِنَفْسِهِ، فَقَدِمَ بِهِ نَائِبُ حِمْصَ وَتَلْقَاهُ بَعْضُ الْحُجَّابِ وَبَعْضُ مُقَدَّمِي الْأُلُوفِ،