وَغُلِّقَتِ الْقَيَاسِرُ وَالْأَسْوَاقُ، وَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَنْ يَكُونَ نَهْبًا، فَرَكِبَ مُتَوَلِّي الْبَلَدِ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ بَكْتَاشَ وَمَعَهُ أَوْلَادُهُ وَنُوَّابُهُ وَالرَّجَّالَةُ، فَسَارَ فِي الْبَلَدِ، وَسَكَّنَ النَّاسَ، وَدَعَوْا لَهُ، فَلَمَّا كَانَ قُرَيْبُ الْمَغْرِبِ فَتَحَ لَهُمْ بَابَ الْجَابِيَةِ لِيَدْخُلَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَدَخَلَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، فَجَرَتْ فِي الْبَابِ - عَلَى مَا قِيلَ - زَحْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَتَسَخَّطَ الْجُنْدُ عَلَى النَّاسِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَاتُّفِقَ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْمِيلَادِ، وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ مَهْمُومِينَ بِسَبَبِ الْعَسْكَرِ وَاخْتِلَافِهِمْ، فَأَصْبَحَتْ أَبْوَابُ الْبَلَدِ مُغْلَقَةً فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سِوَى بَابِ الْجَابِيَةِ، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةُ هَذَا الْيَوْمِ تَقَارَبَ الْجَيْشَانِ، وَاجْتَمَعَ أُلْطُنْبُغَا وَأُمَرَاؤُهُ، وَاتَّفَقَ أُمَرَاءُ دِمَشْقَ أَوْ جُمْهُورُهُمُ الَّذِينَ هُمْ مَعَهُ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا، وَلَا يَسُلُّوا فِي وَجْهِ الْفَخْرِيِّ وَأَصْحَابِهِ سَيْفًا، وَكَانَ قُضَاةُ الشَّامِ قَدْ ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِرَارًا لِلصُّلْحِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الِاسْتِمْرَارَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَبَاتَ النَّاسُ مُتَقَابِلِينَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَيْسَ بَيْنَ الْجَيْشَيْنِ إِلَّا مِقْدَارُ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَكَانَتْ لَيْلَةً مَطِيرَةً، فَمَا أَصْبَحَ الصُّبْحُ إِلَّا وَقَدْ ذَهَبَ مِنْ جَمَاعَةِ أُلْطُنْبُغَا إِلَى الْفَخْرِيِّ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَجْنَادِ الْحَلْقَةِ وَمِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ، وَطَلَعَتِ