هُدِمَتْ لِتُصْلَحَ، وَدَخَلُوا بِالْجِنَازَةِ إِلَى الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَالْخَلَائِقُ فِيهِ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَصَرَخَ صَارِخٌ: هَكَذَا تَكُونُ جَنَائِزُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ الصَّارِخِ، وَوُضِعَ الشَّيْخُ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ مِمَّا يَلِي الْمَقْصُورَةَ، وَجَلَسَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِ صُفُوفٍ، بَلْ مَرْصُوصِينَ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنَ السُّجُودِ إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَذَانِ الظُّهْرِ بِقَلِيلٍ، وَجَاءَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَكَثُرُوا كَثْرَةً لَا تُوصَفُ، فَلَمَّا أُذِّنَ الظُّهْرُ وَفُرِغَ مِنَ الْأَذَانِ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ عَلَى السُّدَّةِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ لِيُسْرِعُوا بِالنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ خَرَجَ نَائِبُ الْخَطِيبِ لِغَيْبَتِهِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ إِمَامًا، وَهُوَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ الْخَرَّاطِ، ثُمَّ خَرَجَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَامِعِ وَالْبَلَدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاجْتَمَعُوا بِسُوقِ الْخَيْلِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَعَجَّلَ إِلَى مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَالنَّاسُ فِي بُكَاءٍ وَتَهْلِيلٍ، وَدُعَاءٍ وَثَنَاءٍ وَتَأَسُّفٍ، وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْأَسْطِحَةِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ يَبْكِينَ وَيَدْعِينَ.

وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ بِدِمَشْقَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ حِينَ كَانَ النَّاسُ بِهَا كَثِيرًا جِدًّا، ثُمَّ دُفِنَ عِنْدَ أَخِيهِ قَرِيبًا مِنْ أَذَانِ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْمُخَدَّرَاتِ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَخَلَّفَ عَنِ الْحُضُورِ فِي جَنَازَتِهِ إِلَّا النَّفَرَ الْيَسِيرَ، وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَكُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةَ النَّهَارِ، وَيَعُودُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى حِمَارِهِ، وَعَلَيْهِ الْجَلَالَةُ وَالْوَقَارُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015