لِتَلَقِّيهِ، وَهُوَ شَابٌّ حَسَنُ الصُّورَةِ، تَامُّ الشَّكْلِ، مَلِيحُ الْوَجْهِ. وَلَمَّا انْتَهَى إِلَى السُّلْطَانِ بِمِصْرَ أَكْرَمَهُ، وَأَعْطَاهُ تَقْدِمَةَ أَلْفٍ، وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ عَلَى الْأُمَرَاءِ، فَأُكْرِمُوا إِكْرَامًا زَائِدًا، وَكَانَ سَبَبَ قُدُومِهِ إِلَى مِصْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْعِرَاقِ الْمَلِكُ بُو سَعِيدٍ كَانَ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ خَوَاجَا دِمَشْقَ فِي شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَهَمَّ وَالِدُهُ جُوبَانُ بِمُحَارَبَةِ السُّلْطَانِ بُو سَعِيدٍ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ جُوبَانُ إِذْ ذَاكَ مُدَبِّرَ الْمَمَالِكِ، فَخَافَ تَمُرْتَاشُ هَذَا عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ السُّلْطَانِ، فَفَرَّ هَارِبًا بِدَمِهِ إِلَى السُّلْطَانِ النَّاصِرِ بِمِصْرَ.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ نَائِبُ الشَّامِ سَيْفُ الدِّينِ تَنْكِزُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِزِيَارَةِ السُّلْطَانِ، فَأَكْرَمَهُ، وَاحْتَرَمَهُ، وَاشْتَرَى فِي هَذِهِ السَّفْرَةِ دَارَ الْفُلُوسِ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنَ الْبُزُورِيِّينَ وَالْجَوْزِيَّةِ، وَهِيَ شَرْقِيِّهِمَا، وَقَدْ كَانَ سُوقُ الْبُزُورِيَّةِ الْيَوْمَ يُسَمَّى سُوقَ الْقَمْحِ، فَاشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ، وَعَمَرَهَا دَارًا هَائِلَةً لَيْسَ بِدِمَشْقَ دَارٌ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَسَمَّاهَا دَارَ الذَّهَبِ، وَهَدَمَ حَمَّامَ سُوَيْدٍ تِلْقَاءَهَا، وَجَعَلَهُ دَارَ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ، وَجَاءَتْ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ أَيْضًا، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَمَاكِنَ، وَرَتَّبَ فِيهَا الْمَشَايِخَ وَالطَّلَبَةَ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَاجْتَازَ بِرُجُوعِهِ مِنْ مِصْرَ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ، وَزَارَهُ، وَأَمَرَ بِبِنَاءِ حَمَّامٍ بِهِ، وَبِبِنَاءِ دَارِ حَدِيثٍ أَيْضًا وَخَانَقَاهْ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
وَفِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَصَلَتِ الْقَنَاةُ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ الَّتِي أَمَرَ بِعِمَارَتِهَا