قَرْيَةِ آبِلِ السُّوقِ، وَأَقَامَ وَالِدُهُ بِالْقُدْسِ، وَحَجَّ هُوَ مَرَّةً، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ سَنَةً ثُمَّ حَجَّ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مَشْهُورًا، وَيُعْرَفُ بِالْمُجَارِفِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْرُفُ الْأَزِقَّةَ وَيُصْلِحُ الرِّصْفَانَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ يُكْثِرُ التَّهْلِيلَ وَالذِّكْرَ جَهْرَةً، وَكَانَ عَلَيْهِ هَيْبَةٌ وَوَقَارٌ، وَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا فِيهِ تَخْوِيفٌ وَتَحْذِيرٌ مِنَ النَّارِ وَعَوَاقِبِ الرَّدَى، وَكَانَ مُلَازِمًا لِمَجَالِسِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ عِشْرِينَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ بِالسَّفْحِ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً جِدًّا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَلِكُ الْكَامِلُ نَاصِرُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَلِكِ السَّعِيدِ فَتْحِ الدِّينِ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ أَبِي الْجَيْشِ بْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، أَحَدُ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَأَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الْبَلَدِ ذَكَاءً، وَفِطْنَةً، وَحُسْنَ عِشْرَةٍ، وَلَطَافَةِ كَلَامٍ، بِحَيْثُ يَسْرُدُ كَثِيرًا مِنَ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْثَالِ مِنْ قُوَّةِ ذِهْنِهِ وَحَذَاقَةِ فَهْمِهِ، وَكَانَ رَئِيسًا مَنْ أَجْوَادِ النَّاسِ، تُوُفِّيَ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ عِشْرِينَ جُمَادَى الْأُولَى، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ظُهْرَ الْخَمِيسِ بِصَحْنِ الْجَامِعِ تَحْتَ النَّسْرِ، ثُمَّ أَرَادُوا دَفْنَهُ عِنْدَ جَدِّهِ لِأُمِّهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ، فَدُفِنَ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ، سَامَحَهُ اللَّهُ، وَكَانَ لَهُ سَمَاعٌ كَثِيرٌ، سَمِعْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ، وَكَانَ يَحْفَظُ تَارِيخًا جَيِّدًا، وَقَامَ وَلَدُهُ الْأَمِيرُ صَلَاحُ الدِّينِ مَكَانَهُ فِي إِمْرَةِ الطَّبْلَخَانَاهْ، وَجُعِلَ أَخُوهُ فِي عَشَرَتِهِ، وَلَبِسَا الْخِلَعَ السُّلْطَانِيَّةَ بِذَلِكَ.