الْإِسْلَامَ، وَكَانَتْ لَدَيْهِ فَضَائِلُ جَمَّةٌ، وَقَدْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ، وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَثَرْوَةٌ عَظِيمَةٌ، وَبَلَغَ الثَّمَانِينَ مِنَ الْعُمْرِ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ جَيِّدَةٌ يَوْمَ الرَّحْبَةِ، فَإِنَّهُ صَانَعَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَتْقَنَ الْقَضِيَّةَ فِي رُجُوعِ مَلِكِ التَّتَرِ عَنِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ يُنَاصِحُ الْإِسْلَامَ، وَلَكِنْ قَدْ نَالَ مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَاتَّهَمُوهُ عَلَى الدِّينِ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِهِ هَذَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ مُخَبِّطًا مُخَلِّطًا، وَلَيْسَ لَدَيْهِ عِلْمٌ نَافِعٌ، وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ. وَلَمَّا تَوَلَّى بُو سَعِيدٍ الْمَمْلَكَةَ عَزَلَهُ، وَبَقِيَ مُدَّةً خَامِلًا، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ جُوبَانُ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ سَقَيْتَ السُّلْطَانَ خَرْبَنْدَا سُمًّا؟ فَقَالَ لَهُ: أَنَا كُنْتُ فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ وَالذِّلَّةِ، فَصِرْتُ فِي أَيَّامِهِ وَأَيَّامِ أَبِيهِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ، فَكَيْفَ أَعْمَدُ إِلَى سَقْيِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ! فَأُحْضِرَتِ الْأَطِبَّاءُ، فَذَكَرُوا صُورَةَ مَرَضِ خَرْبَنْدَا وَصِفَتَهُ، وَأَنَّ الرَّشِيدَ أَشَارَ بِإِسْهَالِهِ لِمَا عِنْدَهُ فِي بَاطِنِهِ مِنَ الْحَوَاصِلِ، فَانْطَلَقَ بَاطِنُهُ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ مَجْلِسًا، فَمَاتَ، فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الطِّبِّ، فَقَالَ: فَأَنْتَ إِذًا قَتَلْتَهُ، فَقَتَلَهُ وَوَلَدَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَاحْتِيطَ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ، فَبَلَغَتْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَقُطِّعَتْ أَعْضَاؤُهُ، وَحُمِلَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا إِلَى بَلْدَةٍ، وَنُودِيَ عَلَى رَأْسِهِ بِتِبْرِيزَ: هَذَا رَأْسُ الْيَهُودِيِّ الَّذِي بَدَّلَ كَلَامَ اللَّهِ، لَعَنَهُ اللَّهُ. ثُمَّ أُحْرِقَتْ جُثَّتُهُ، وَكَانَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ عَلِيَّ شَاهْ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ - أَعْنِي: جُمَادَى الْأُولَى - تَوَلَّى قَضَاءَ الْمَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَخْنَائِيُّ عِوَضًا عَنْ زَيْنِ الدِّينِ بْنِ مَخْلُوفٍ، تُوُفِّيَ