الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ هُمَا هُمَا، وَكَذَلِكَ النُّوَّابُ وَالْقُضَاةُ، سِوَى الْمَالِكِيِّ بِدِمَشْقَ، فَإِنَّهُ الْعَلَّامَةُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ سَلَامَةَ، بَعْدَ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الزَّوَاوِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَبِلَادِ الشَّرْقِ: سِنْجَارَ، وَالْمَوْصِلَ، وَمَارِدِينَ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي بِغَلَاءٍ عَظِيمٍ، وَفِنَاءٍ شَدِيدٍ، وَقِلَّةِ الْأَمْطَارِ، وَجَوْرِ التَّتَارِ، وَعَدَمِ الْأَقْوَاتِ، وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ، وَقِلَّةِ النَّفَقَاتِ، وَزَوَالِ النِّعَمِ، وَحُلُولِ النِّقَمِ، بِحَيْثُ إِنَّهُمْ أَكَلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنَ الْجَمَادَاتِ، وَالْحَيَوَانَاتِ، وَالْمَيْتَاتِ، وَبَاعُوا حَتَّى أَوْلَادَهُمْ وَأَهَالِيَهُمْ، فَبِيعَ الْوَلَدُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ كَانُوا لَا يَشْتَرُونَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ تَأَثُّمًا، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُصَرِّحُ بِأَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ، لِيُشْتَرَى مِنْهَا وَلَدُهَا لِتَنْتَفِعَ بِثَمَنِهِ، وَيَحْصُلَ لَهَا مَنْ يُطْعِمُهُ فَيَعِيشُ، وَتَأْمَنَ عَلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَجَرَتْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَحْوَالٌ صَعْبَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَتَنْبُو الْأَسْمَاعُ عَنْ وَصْفِهَا، وَقَدْ تَرَحَّلَتْ مِنْهُمْ فَرْقَةٌ قَرِيبُ الْأَرْبَعِمِائَةِ إِلَى نَاحِيَةِ مَرَاغَةَ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمْ ثَلْجٌ أَهْلَكَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَصَحِبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِرْقَةً مِنَ التَّتَارِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى