وَفِي رَمَضَانَ جَاءَ كِتَابُ السُّلْطَانِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَيْهِ، بَلْ يُتَبَّعُ الْقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَصَّ مِنْهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، فَقَرَأَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ عَلَى السُّدَّةِ بِحَضْرَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ تَنْكِزَ، وَسَبَبُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، هُوَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَبِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ.
وَفِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَصَلَ التَّتَرُ إِلَى الرَّحْبَةِ فَحَاصَرُوهَا عِشْرِينَ يَوْمًا، وَقَاتَلَهُمْ نَائِبُهَا الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ مُوسَى الْأُزْكُشِيُّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ قِتَالًا عَظِيمًا، وَمَنْعَهُمْ مِنْهَا، فَأَشَارَ رَشِيدُ الدَّوْلَةِ بِأَنْ يَنْزِلُوا إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ خَرْبَنْدَا، وَيُهْدُوا لَهُ هَدِيَّةً، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ الْعَفْوَ، فَنَزَلَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ إِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ، وَأَهْدَوْا لَهُ خَمْسَةَ رُءُوسِ خَيْلٍ وَعَشَرَةَ أَبَالِيجَ سُكَّرٍ، فَقَبِلَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، وَكَانَتْ بِلَادُ حَلَبَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ قَدْ أُجْلُوْا مِنْهَا، وَخَرِبَ أَكْثَرُهَا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْهَا لَمَّا تَحَقَّقُوا رُجُوعَ التَّتَرِ عَنِ الرَّحْبَةِ، وَطَابَتِ الْأَخْبَارُ، وَسَكَنَتِ النُّفُوسُ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ، وَتَرَكَتِ الْأَئِمَّةُ الْقُنُوتَ، وَخَطَبَ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَذَكَّرَ النَّاسَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ. وَكَانَ سَبَبُ رُجُوعِ التَّتَرِ قِلَّةَ الْعَلَفِ، وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ، وَمَوْتَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَأَشَارَ عَلَى سُلْطَانِهِمْ بِالرُّجُوعِ: الرَّشِيدُ وَجُوبَانُ.
وَفِي ثَامِنِ شَوَّالٍ دَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِدِمَشْقَ بِسَبَبِ خُرُوجِ السُّلْطَانِ مِنْ مِصْرَ لِأَجْلِ مُلَاقَاةِ التَّتَرِ، وَخَرَجَ الرَّكْبُ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ وَأَمِيرُهُمْ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِينُ الصَّغِيرُ، الَّذِي كَانَ وَالِيَ الْبَرِّ، وَقَدِمَتِ الْعَسَاكِرُ الْمَنْصُورَةُ الْمِصْرِيَّةُ أَرْسَالًا، وَكَانَ قُدُومُ السُّلْطَانِ وَدُخُولُهُ دِمَشْقَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ عِشْرِينَ شَوَّالٍ