وَرَاءَهُ، فَلَمْ يُدْرِكُوهُ إِلَّا وَقَدْ لَحِقَ بِالْمَغُولِ عِنْدَ رَأْسِ الْعَيْنِ، مِنْ أَعْمَالِ مَارِدِينَ، وَتَفَارَطَ الْحَالُ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَكَانَ الَّذِي شَمَّرَ الْعَزْمَ وَرَاءَهُمْ، وَسَاقَ لِيَرُدَّهُمُ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَلَبَانُ، وَقَامَ بِأَعْبَاءِ الْبَلَدِ نَائِبُ الْقَلْعَةِ عَلَمُ الدِّينِ أَرْجُواشُ وَالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ جَاغَانُ، وَاحْتَاطُوا عَلَى مَا كَانَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِتِلْكَ الدَّوْلَةِ، فَكَانَ مِنْهُمْ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ الرُّومِيُّ مُحْتَسِبُ الْبَلَدِ وَنَاظِرُ الْمَارَسْتَانِ، ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَأُعِيدَ إِلَى وَظَائِفِهِ، وَاحْتِيطَ أَيْضًا عَلَى سَيْفِ الدِّينِ جَاغَانَ وَحُسَامِ الدِّينِ لَاجِينَ وَالِي الْبَرِّ، وَأُدْخِلَا الْقَلْعَةَ، وَقُتِلَ بِمِصْرَ الْأَمِيرَانِ سَيْفُ الدِّينِ طُغْجِيٌّ - وَكَانَ قَدْ نَابَ عَنِ النَّاصِرِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ - وَكُرْجِيٌّ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَ لَاجِينَ، فَقُتِلًا وَأُلْقِيَا عَلَى الْمَزَابِلِ، وَجَعَلَ النَّاسُ مِنَ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَتَأَمَّلُونَ صُورَةَ طُغْجِيٍّ، وَكَانَ جَمِيلَ الصُّورَةِ جِدًّا، ثُمَّ بَعْدَ الدَّلَالِ وَالْمَالِ وَالْمُلْكِ وَارَتْهُمْ هُنَاكَ قُبُورٌ، فَدُفِنَ السُّلْطَانُ لَاجِينُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ نَائِبُهُ وَمَمْلُوكُهُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكوتَمُرُ، وَدُفِنَ الْبَاقُونَ فِي مَضَاجِعِهِمْ هُنَالِكَ.
وَجَاءَتِ الْبَشَائِرُ بِدُخُولِ الْمَلِكِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ إِلَى مِصْرَ يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعِ جُمَادَى الْأُولَى، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا وَضَرَبَتِ الْبَشَائِرُ، وَدَخَلَ الْقُضَاةُ وَأَكَابِرُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَبُويِعَ بِحَضْرَةِ عَلَمِ الدِّينِ أرْجُواشَ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا بِحَضْرَةِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ، ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ قَدْ رَكِبَ وَشَقَّ الْقَاهِرَةَ، وَعَلَيْهِ خِلْعَةُ الْخَلِيفَةِ، وَالْجَيْشُ مَعَهُ مُشَاةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا وَضَرَبَتِ الْبَشَائِرُ أَيْضًا. وَجَاءَتْ مَرَاسِيمُهُ، فَقُرِئَتْ عَلَى السُّدَّةِ،