وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأُمَرَاءِ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيرِ، وَقَدْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ، وَتَرَكَ الشُّجَاعِيَّ بِقَلْعَةِ الرُّومِ يُعَمِّرُونَ مَا وَهَى مِنْ قَلْعَتِهَا; بِسَبَبِ رَمْيِ الْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَيْهَا وَقْتَ الْحِصَارِ، وَكَانَ دُخُولُهُ إِلَى دِمَشْقَ بِكُرَةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ، فَاحْتَفَلَ النَّاسُ لِدُخُولِهِ وَدَعَوْا لَهُ وَأَحَبُّوهُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا بُسِطَ لَهُ كَمَا يُبْسَطُ لَهُ إِذَا قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ ابْنِ السَّلْعُوسِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَسَطَ لَهُ، وَقَدْ كَسَرَ أَبُوهُ التَّتَرَ عَلَى حِمْصَ وَلَمْ يُبْسَطْ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ كَسَرَ التَّتَرَ وَالرُّومَ عَلَى الْبُلُسْتَيْنِ وَفِي غَيْرِ مَوْطِنٍ وَلَمْ يُبْسَطْ لَهُ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ شَنْعَاءُ قَدْ أَحْدَثَهَا هَذَا الْوَزِيرُ لِلْمُلُوكِ، وَفِيهَا إِسْرَافٌ وَضَيَاعُ مَالٍ وَأَشَرٌ وَبَطَرٌ وَرِيَاءٌ وَتَكْلِيفٌ لِلنَّاسِ، وَأَخْذُ أَمْوَالٍ وَوَضْعُهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ سَائِلُهُ عَنْهَا، وَقَدْ ذَهَبَ وَتَرَكَهَا يَتَوَارَثُهَا الْمُلُوكُ وَالنَّاسُ عَنْهُ، وَقَدْ حَصَلَ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، فَلْيَتَّقِ الْعَبْدُ رَبَّهُ، وَلَا يُحْدِثْ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ هَوَاهُ وَمُرَادِ نَفْسِهِ مَا يَكُونُ سَبَبَ مَقْتِ اللَّهِ لَهُ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَدُومُ لِأَحَدٍ، وَلَا يَدُومُ أَحَدٌ فِيهَا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ مَلِكُ قَلْعَةِ الرُّومِ مَعَ السُّلْطَانِ أَسِيرًا، وَكَذَلِكَ رُءُوسُ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ بِهِمْ دِمَشْقَ وَهُمْ يَحْمِلُونَ رُءُوسَ أَصْحَابِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ، وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ نَحْوَ جَبَلِ كَسْرَوَانَ وَالْجُرْدِ بِسَبَبِ مُمَالَأَتِهِمْ لِلْفِرِنْجِ قَدِيمًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُقَدَّمُ الْعَسَاكِرِ بَيْدَرَا، وَفِي صُحْبَتِهِ سُنْقُرُ الْأَشْقَرُ وَقَرَاسُنْقُرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015