بِلَادِ الرُّومِ، وَكَانَ الْبَرْوَانَاهْ شُجَاعًا حَازِمًا كَرِيمًا جَوَادًا، وَلَهُ مَيْلٌ إِلَى الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، وَكَانَ قَدْ جَاوَزَ الْخَمْسِينَ لَمَّا قُتِلَ.
ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ خَامِسَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْقَاهِرُ بَهَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ السُّلْطَانِ الْمُعَظَّمِ عِيسَى بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ رَجُلًا جَيِّدًا سَلِيمَ الصَّدْرِ، كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ، لَيِّنَ الْكَلِمَةِ، كَثِيرَ التَّوَاضُعِ، يُعَانِي مَلَابِسَ الْعَرَبِ وَمَرَاكِبَهُمْ، وَكَانَ مُعَظَّمًا فِي الدَّوْلَةِ شُجَاعًا مِقْدَامًا، وَقَدْ رَوَى عَنِ ابْنِ اللَّتِّيِّ، وَأَجَازَ لِلْبِرْزَالِيِّ. قَالَ الْبِرْزَالِيُّ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ سُمَّ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ السُّلْطَانَ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ سَمَّهُ فِي كَأْسٍ ثُمَّ نَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَشَرِبَهُ وَقَامَ السُّلْطَانُ إِلَى الْمُرْتَفَقِ، ثُمَّ عَادَ وَأَخَذَ السَّاقِي الْكَأْسَ مِنْ يَدِ الْقَاهِرِ، فَمَلَأَهُ وَنَاوَلَهُ السُّلْطَانَ الظَّاهِرَ وَالسَّاقِي لَا يَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى، وَأَنْسَى اللَّهُ السُّلْطَانَ ذَلِكَ الْكَأْسَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ وَيَقْضِيهِ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ فِي الْكَأْسِ بَقِيَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ، فَشَرِبَ الظَّاهِرُ مَا فِي الْكَأْسِ، وَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى شَرِبَهُ، فَاشْتَكَى بَطْنَهُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَوَجَدَ الْوَهَجَ وَالْحَرَّ وَالْكَرْبَ الشَّدِيدَ مِنْ فَوْرِهِ، وَأَمَّا الْقَاهِرُ فَإِنَّهُ حُمِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَهُوَ مَغْلُوبٌ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَتَمَرَّضَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ أَيَّامًا حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَعْدَ الظُّهْرِ فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمًا عَظِيمًا عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَحَضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ عِزُّ الدِّينِ أَيْدَمُرُ وَكِبَارُ الْأُمَرَاءِ وَالدَّوْلَةُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ سِرًّا، وَجَعَلُوهُ فِي تَابُوتٍ، وَرَفَعُوهُ إِلَى الْقَلْعَةِ مِنَ السُّورِ، وَجَعَلُوهُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الْبَحْرِيَّةِ إِلَى أَنْ نُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي بَنَاهَا وَلَدُهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهِيَ دَارُ الْعَقِيقِيِّ تُجَاهَ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ، لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ خَامِسَ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكُتِمَ مَوْتُهُ، فَلَمْ يَعْلَمْ جُمْهُورُ