الْحَاكِمِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ.
وَهَذَا الْخَلِيفَةُ هُوَ أَخُو الْمُسْتَنْصِرِ بَانِي الْمُسْتَنْصِرِيَّةِ، وَعَمُّ الْمُسْتَعْصِمِ، بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ بِمِصْرَ، بَايَعَهُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَالْقَاضِي وَالْوَزِيرُ وَالْأُمَرَاءُ، وَرَكِبَ فِي دَسْتِ الْخِلَافَةِ بِدِيَارِ مِصْرَ وَالْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، وَشَقَّ الْقَاهِرَةَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَذَلِكَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهَذَا الْخَلِيفَةُ هُوَ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَبًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ يَوْمئِذٍ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ عِنْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسَبُهُ، ثُمَّ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأُمَرَاءُ وَالدَّوْلَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ وَضُرِبَ اسْمُهُ عَلَى السِّكَّةِ، وَكَانَ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ شَاغِرًا مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ; لِأَنَّ الْمُسْتَعْصِمَ قُتِلَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَبُويِعَ هَذَا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ - وَكَانَ أَسْمَرَ وَسِيمًا، شَدِيدَ الْقُوَى، عَالِيَ الْهِمَّةِ، لَهُ شَجَاعَةٌ وَإِقْدَامٌ، وَقَدْ لَقَّبُوهُ بِالْمُسْتَنْصِرِ كَمَا كَانَ أَخُوهُ بَانِي الْمَدْرَسَةِ بِبَغْدَادَ تَلَقَّبَ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ; أَنَّ خَلِيفَتَيْنِ أَخَوَيْنِ يُلَقَّبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَقَدْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَخَوَيْنِ كَهَذَيْنِ; السَّفَّاحُ وَأَخُوهُ الْمَنْصُورُ وَلَدَا مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَالْهَادِي وَالرَّشِيدُ ابْنَا الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ، وَالْوَاثِقُ وَالْمُتَوَكِّلُ ابْنَا الْمُعْتَصِمِ بْنِ الرَّشِيدِ، وَالْمُسْتَرْشِدُ وَالْمُقْتَفِي وَلَدَا الْمُسْتَظْهِرِ،