بَعْضُهُمْ: مَنْ قَتَلَهُ؟ فَقَالَ رُكْنُ الدِّينِ: أَنَا. فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ الْمَلِكُ. وَقِيلَ: لَمَّا قُتِلَ حَارَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يُوَلُّونَ الْمُلْكَ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخْشَى غَائِلَةَ ذَلِكَ، وَأَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَ غَيْرَهُ سَرِيعًا، فَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنْ بَايَعُوا الْأَمِيرَ رُكْنَ الدِّينِ بِيبَرْسَ الْبُنْدُقْدَارِيَّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَكَابِرِ الْمُقَدَّمِينَ فِيهِمْ، وَلَكِنْ أَرَادُوا أَنْ يُجَرِّبُوا فِيهِ، وَلَقَّبُوهُ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ وَحَكَمَهُ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ، وَضُرِبَتِ الطُّبُولُ وَالْبُوقَاتُ، وَصَفَّرَتِ الشَّبَّابَةُ، وَزَعَقَتِ الشَّاوُوشِيَّةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَاسْتَعَانَ بِهِ، ثُمَّ دَخَلَ مِصْرَ وَالْعَسَاكِرُ فِي خِدْمَتِهِ، فَدَخَلَ قَلْعَةَ الْجَبَلِ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهَا، وَحَكَمَ فَعَدَلَ، وَقَطَعَ وَوَصَلَ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا، أَقَامَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّدِيدِ وَالْأَمْرِ الْعَسِيرِ، وَكَانَ أَوَّلًا قَدْ لَقَّبَ نَفْسَهُ بِالْمَلِكِ الْقَاهِرِ، فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ: إِنَّ هَذَا اللَّقَبَ لَا يُفْلِحُ مَنْ تَلَقَّبَ بِهِ; تَلَقَّبَ بِهِ الْقَاهِرُ بْنُ الْمُعْتَضِدِ فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ حَتَّى خُلِعَ وَسُمِلَ، وَلُقِّبَ بِهِ الْقَاهِرُ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، فَسُمَّ فَمَاتَ.

فَعَدَلَ عَنْ هَذَا اللَّقَبِ إِلَى الْمَلِكِ الظَّاهِرِ ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْكِ مَنْ يَرَى فِي نَفْسِهِ رِئَاسَةً مَنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ حَتَّى مَهَّدَ الْمُلْكُ كَمَا يُرِيدُ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ هُولَاكُوقَانَ لَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى عَلَى جَيْشِهِ بِعَيْنِ جَالُوتَ أَرْسَلَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْ جَيْشِهِ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ لِيَسْتَعِيدُوهُ مِنْ أَيْدِي جَيْشِ الْإِسْلَامِ، فَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ، وَرَجَعُوا إِلَيْهِ وَهُمْ خَائِبُونَ خَاسِرُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَهَضَ إِلَيْهِمُ الْهِزَبْرُ الْكَاسِرُ وَالسَّيْفُ الْبَاتِرُ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ الظَّاهِرُ، فَقَدِمَ إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015