فِيهَا سَعَفَةً، فَلَمْ تُحْرِقْهَا، بَلْ كَانَتْ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ وَتُذِيبُهَا، وَأَخْرَجَ قَيْمَازُ الْمَذْكُورُ شَيْئًا مِنَ الصَّخْرِ الْمُحْتَرِقِ، وَهُوَ كَالْفَحْمِ لَوْنًا وَخِفَّةً.
قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَكَانَ بِخَطِّ قَاضِي الْمَدِينَةِ، أَنَّهُمْ لَمَّا زُلْزِلُوا دَخَلُوا الْحَرَمَ، وَكَشَفُوا رُءُوسَهُمْ وَاسْتَغْفَرُوا، وَأَنَّ نَائِبَ الْمَدِينَةِ أَعْتَقَ جَمِيعَ مَمَالِيكِهِ، وَخَرَجَ مِنْ جَمِيعِ الْمَظَالِمِ، وَلَمْ يَزَالُوا مُسْتَغْفِرِينَ مُتَضَرِّعِينَ حَتَّى سَكَنَتِ الزَّلْزَلَةُ، إِلَّا أَنَّ النَّارَ الَّتِي ظَهَرَتْ لَمْ تَنْقَطِعْ، وَجَاءَ الْقَاصِدُ الْمَذْكُورُ، وَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِلَى الْآنَ.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْعَدْلِ مَحْمُودِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ الْأَمْعَانِيِّ شَيْخِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ النَّارَ الَّتِي ظَهَرَتْ بِالْحِجَازِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِشَارَةٌ صَحِيحَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ، فَالسَّعِيدُ مَنِ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ قَبْلَ الْفَوْتِ، وَتَدَارَكَ أَمْرَهُ بِإِصْلَاحِ حَالِهِ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ النَّارُ فِي أَرْضٍ ذَاتِ حَجَرٍ، لَا شَجَرَ فِيهَا وَلَا نَبْتَ، وَهِيَ تَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ، وَهِيَ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ وَتُذِيبُهَا حَتَّى تَعُودَ كَالطِّينِ الْمَبْلُولِ، ثُمَّ يَضْرِبُهُ الْهَوَاءُ حَتَّى يَعُودَ كَخَبَثِ الْحَدِيدِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْكِيرِ، فَاللَّهُ يَجْعَلُهَا عِبْرَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَرَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ، بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ مُسْتَهَلَّ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ احْتَرَقَ