هَذَا وَاحْتِيَالَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَفِرْقَةٌ أُخْرَى لَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ يَنْهَوْا، بَلْ أَنْكَرُوا عَلَى الَّذِينَ نَهَوْا وَقَالُوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف: 164] يَقُولُونَ لَهُمْ: مَا الْفَائِدَةُ فِي نَهْيِكُمْ هَؤُلَاءِ وَقَدِ اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ لَا مَحَالَةَ؟ فَأَجَابَتْهُمُ الطَّائِفَةُ الْمُنْكِرَةُ بِأَنْ قَالُوا: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] أَيْ: فِيمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَنَقُومُ بِهِ خَوْفًا مِنْ عَذَابِهِ. {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164] أَيْ: وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ، فَيَقِيهِمُ اللَّهُ عَذَابَهُ وَيَعْفُو عَنْهُمْ إِذَا هُمْ رَجَعُوا وَاسْتَمَعُوا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44] أَيْ: لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَنْ نَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الصَّنِيعِ الشَّنِيعِ الْفَظِيعِ {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165] وَهُمُ الْفِرْقَةُ الْآمِرَةُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِيَةُ عَنِ الْمُنْكَرِ {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأعراف: 165] وَهُمُ الْمُرْتَكِبُونَ الْفَاحِشَةَ {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] وَهُوَ الشَّدِيدُ الْمُؤْلِمُ الْمُوجِعُ. {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59] ثُمَّ فَسَّرَ الْعَذَابَ الَّذِي أَصَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166] وَسَنَذْكُرُ مَا وَرَدَ مِنَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَهْلَكَ الظَّالِمِينَ، وَنَجَّى الْمُؤْمِنِينَ الْمُنْكِرِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ ; فَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ النَّاجِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ الْهَالِكِينَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، إِمَامُ الْمُفَسِّرِينَ، وَذَلِكَ عِنْدَ مُنَاظَرَةِ