وَشَيْخُ طِبٍّ وَعَشَرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الطِّبِّ، وَمَكْتَبٌ لِلْأَيْتَامِ، وَقُرِّرَ لِلْجَمِيعِ مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْحَلْوَى وَالنَّفَقَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَافِرَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ خَامِسَ رَجَبٍ حُضِرَتِ الدُّرُوسُ بِهَا، وَحَضَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَأَهْلُ دَوْلَتِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالشُّعَرَاءِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَعُمِلَ سِمَاطٌ عَظِيمٌ بِهَا، أَكَلَ مِنْهُ الْحَاضِرُونَ، وَحُمِلَ مِنْهُ إِلَى سَائِرِ دُرُوبِ بَغْدَادَ مِنْ بُيُوتَاتِ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، وَخُلِعَ عَلَى جَمِيعِ الْمُدَرِّسِينَ بِهَا وَالْحَاضِرِينَ فِيهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّوْلَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُعِيدِينَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَأَنْشَدَتِ الشُّعَرَاءُ الْخَلِيفَةَ الْمَدَائِحَ الْفًائِقَةَ وَالْقَصَائِدَ الرَّائِقَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ السَّاعِي فِي تَارِيخِهِ مُطَوَّلًا مَبْسُوطًا شَافِيًا كَافِيًا وَافِيًا، وَقُرِّرَ لِتَدْرِيسِ الشَّافِعِيَّةِ بِهَا الْإِمَامُ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَضْلَانَ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ رَشِيدُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْغَانِيُّ، وَلِلْحَنَابِلَةِ الْإِمَامُ الْعَالِمُ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَدَرَّسَ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نِيَابَةً لِغَيْبَتِهِ فِي بَعْضِ الرِّسَالَاتِ إِلَى الْمُلُوكِ، وَدَرَّسَ لِلْمَالِكِيَّةِ يَوْمَئِذٍ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَالِمُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيُّ الْمَالِكِيُّ نِيَابَةً أَيْضًا حَتَّى يُعَيَّنَ شَيْخٌ غَيْرُهُ. وَوُقِفَتْ خَزَائِنُ كُتُبٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا فِي كَثْرَتِهَا وَحُسْنِ نُسَخِهَا وَجَوْدَةِ الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ بِهَا. وَكَانَ الْمُتَوَلِّيَ لِعِمَارَةِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مُؤَيِّدُ الدِّينِ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلْقَمِيِّ الَّذِي وَزَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ إِذْ ذَاكَ أُسْتَاذَ دَارِ الْخِلَافَةِ،