وَخَمْسِينَ أَلْفًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَرَ الْقَاضِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ يُوَصَّلُ إِلَيْهِ بِلَا مُرَاجَعَةٍ، وَأَقَامَ فِي النَّظَرِ عَلَى الْأَمْوَالِ الْحَشْرِيَةِ رَجُلًا صَالِحًا، وَاسْتَخْلَصَ عَلَى الْقَضَاءِ الشَّيْخَ الْعَلَّامَةَ عِمَادَ الدِّينِ أَبَا صَالِحٍ نَصْرَ بْنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ، الْحَنْبَلِيَّ، فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنِ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ خِيَارِ الْقُضَاةِ الْعَادِلِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ - وَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَمْ يَقْبَلْهُ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُوَرِّثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَقَالَ: أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَاتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَتَّقِ سِوَاهُ. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ أَبِيهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ حُرَّاسُ الدُّرُوبِ فِي كُلِّ صَبَاحٍ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَحَالِّ مِنَ الِاجْتِمَاعَاتِ الصَّالِحَةِ وَالطَّالِحَةِ، فَلَمَّا وَلِيَ الظَّاهِرُ أَمَرَ بِتَبْطِيلِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَالَ: أَيُّ فَائِدَةٍ فِي كَشْفِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ؟! فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الرَّعِيَّةَ. فَقَالَ: نَحْنُ نَدْعُو اللَّهَ لَهُمْ أَنْ يُصْلِحَهُمْ.
وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ فِي السُّجُونِ مُعْتَقَلًا عَلَى الْأَمْوَالِ الدِّيوَانِيَّةِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ اسْتُخْرِجَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْقَاضِي بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ يُوَفِّي بِهَا دُيُونَ مَنْ فِي سُجُونِهِ مِنَ الْمَدِينِينَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ وَفَاءً. وَفَرَّقَ فِي الْعُلَمَاءِ بَقِيَّةَ الْمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَدْ لَامَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالَ: إِنَّمَا فَتَحْتُ الدُّكَّانَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَذَرُونِي أَعْمَلُ صَالِحًا وَأَفْعَلُ الْخَيْرَ، فَكَمْ مِقْدَارُ مَا بَقِيتُ أَعِيشُ؟ وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ سِيرَتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ فِي الْعَامِ الْآتِي كَمَا سَيَأْتِي.
وَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ فِي أَيَّامِهِ وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ وَالْغَلَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ فِيمَا حَكَى