وَمُكَاشَفَاتٌ صَالِحَةٌ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أَسَدُ الشَّامِ.
حَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ عَنِ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ يَعْقُوبَ الْحَاكِمِ بِكَرَكِ الْبِقَاعِ، أَنَّهُ شَاهَدَ مَرَّةً الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ ثَوْرَا عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَبْيَضِ، إِذْ مَرَّ نَصْرَانِيٌّ وَمَعَهُ حِمْلُ بَغْلٍ خَمْرًا، فَعَثَرَتِ الدَّابَّةُ عِنْدَ الْجِسْرِ، فَسَقَطَ الْحِمْلُ فَرَأَى الشَّيْخَ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ، وَلَا يَعِرِفُهُ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى رَفْعِ الْحِمْلِ، فَاسْتَدْعَانِي الشَّيْخُ فَقَالَ: تَعَالَ يَا فَقِيهُ فَتُسَاعِدَنَا عَلَى تَحْمِيلِ ذَلِكَ الْحِمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَذَهَبَ النَّصْرَانِيُّ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَتَبِعْتُ الْحِمْلَ، وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَانْتَهَى بِهِ إِلَى الْعُقَيْبَةِ، فَأَوْرَدَهُ إِلَى الْخَمَّارِ بِهَا، فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، فَقَالَ لَهُ الْخَمَّارُ: وَيْحَكَ هَذَا خَلٌّ. فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتُ، ثُمَّ رَبَطَ الدَّابَّةَ فِي الْخَانِ، وَرَجَعَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَسَأَلَ عَنِ الشَّيْخِ، فَعَرَفَهُ فَجَاءَ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ.
وَلَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَانَ لَا يَقُومُ لِأَحَدٍ دَخَلَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَانَ الْأَمْجَدُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا مُجَيْدُ، فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا. وَيَأْمُرُهُ بِمَا يَأْمُرُهُ، وَيَنْهَاهُ عَمَّا يَنْهَاهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَمْتَثِلُ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ لَهُ; وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِصِدْقِهِ فِي زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَطَرِيقِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ الْفَتُوحَ وَلَا يَدَّخِرُ مِنْهُ شَيْئًا لِغَدٍ، وَإِذَا اشْتَدَّ جُوعُهُ أَخَذَ مِنْ وَرَقِ