الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، حَتَّى إِنَّ الْخُيُولَ كَانَتْ تَزْلَقُ فِي الدِّمَاءِ، وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَمِنَ التَّتَارِ أَضْعَافُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَحَاجَزَ الْفَرِيقَانِ، وَوَلَّى كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى بِلَادِهِ، وَلَجَأَ خُوَارَزْمُ شَاهْ وَأَصْحَابُهُ إِلَى بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، فَحَصَّنَهَا وَبَالَغَ فِي كَثْرَةِ مَنْ تَرَكَ فِيهَا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ لِيُجَهِّزَ الْجُيُوشَ الْكَثِيرَةَ، فَقَصَدَتِ التَّتَارُ بُخَارَى وَبِهَا عِشْرُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فَحَاصَرَهَا جِنْكِزْخَانُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَهْلُهَا الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، وَدَخَلَهَا فَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِيهِمْ مَكْرًا وَخَدِيعَةً، وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقَلْعَةُ، فَحَاصَرَهَا وَاسْتَعْمَلَ أَهْلَ الْبَلَدِ فِي طَمِّ خَنْدَقِهَا، وَكَانَ التَّتَارُ يَأْتُونَ بِالْمَنَابِرِ وَالرَّبَعَاتِ، فَيَطْرَحُونَهَا فِي الْخَنْدَقِ يَطُمُّونَهُ بِهَا، فَفَتَحَهَا قَسْرًا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَقَتَلَ مَنْ كَانَ بِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْبَلَدِ فَاصْطَفَى أَمْوَالَ تُجَّارِهَا، وَأَبَاحَهَا لِجُنْدِهِ، فَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَسَرُوا الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ، وَفَعَلُوا مَعَهُنَّ الْفَوَاحِشَ بِحَضْرَةِ أَهْلِيهِنَّ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَاتَلَ دُونَ حَرِيمِهِ حَتَّى قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُسِرَ فَعُذِّبَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَكَثُرَ الْبُكَاءُ وَالضَّجِيجُ بِالْبَلَدِ، ثُمَّ أَلْقَتِ التَّتَارُ النَّارَ فِي دُورِ بُخَارَى وَمَدَارِسِهَا وَمَسَاجِدِهَا، فَاحْتَرَقَتْ حَتَّى صَارَتْ بِلَاقِعَ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، ثُمَّ كَرُّوا رَاجِعِينَ عَنْهَا قَاصِدِينَ سَمَرْقَنْدَ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ. فِيهَا مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ.
وَفِي مُسْتَهَلِّ هَذِهِ السَّنَةِ خُرِّبَ سُورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - عَمَّرَهُ اللَّهُ بِذِكْرِهِ -