وَالصِّلَاتِ وَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ، وَكَانَ يُوَاظِبُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى خَتْمَةٍ كَامِلَةٍ، مَعَ مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مِنْ نَافِلَةٍ، رَحِيمَ الْقَلْبِ، حَسَنَ السِّيرَةِ، طَاهِرَ الْقَلْبِ وَالسَّرِيرَةِ، لَهُ مَدْرَسَةٌ بِدِيَارِ مِصْرَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَأَوْقَافٌ عَلَى تَخْلِيصِ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِي النَّصَّارَى، وِقَدِ اقْتَنَى مِنَ الْكُتُبِ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ أَلْفِ كِتَابٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْرَحْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَلَا الْعُلَمَاءِ وَلَا الْمُلُوكِ وَلَا الْكُتَّابِ، كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي يَوْمِ دَخَلَ الْعَادِلُ إِلَى قَصْرِ مِصْرَ بِمَدْرَسَتِهِ فَجْأَةً، يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَادِسِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَاحْتَفَلَ النَّاسُ بِجِنَازَتِهِ، وَزَارَ قَبْرَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْمَلِكُ الْعَادِلُ، وَتَأْسَّفَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ اسْتَوْزَرَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ صَفِيَّ الدِّينِ بْنَ شُكْرٍ، فَلَمَّا سَمِعَ الْفَاضِلُ بِذَلِكَ دَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يُحَيِيَهُ إِلَى هَذِهِ الدَّوْلَةِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَافَسَةِ، فَمَاتَ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَمْ يُنِلْهُ أَحَدٌ بِضَيْمٍ وَلَا أَذًى، وَلَا رَأَى فِي الدَّوْلَةِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَقَدْ رَثَاهُ الشُّعَرَاءُ بِأَشْعَارٍ حَسَنَةٍ، مِنْهَا قَوْلُ الْقَاضِي هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنَاءِ الْمُلْكِ:
عَبْدُ الرَّحِيمِ عَلَى الْبَرِيَّةِ رَحْمَةٌ ... أَمِنَتْ بِصُحْبَتِهَا حُلُولَ عِقَابِهَا
يَا سَائِلًا عَنْهُ وَعَنْ أَسْبَابِهِ ... نَالَ السَّمَاءَ فَسَلْهُ عَنْ أَسْبَابِهَا
وَالدَّهْرُ يَعْلَمُ أَنَّ فَيْصَلَ خَطْبِهِ ... بِخُطَا يَرَاعَتِهِ وَفَصْلِ خِطَابِهِا
وَلَقَدْ عَلَتْ رُتَبُ الْأَجَلِّ عَلَى الْوَرَى ... بِسُمُوِّ مَنْصِبِهِا وَطِيبِ نِصَابِهَا
وَأَتَتْهُ خَاطِبَةً إِلَيْهِ وِزَارَةٌ ... وَلَطَالَمَا أَعْيَتْ عَلَى خُطَّابِهَا