فِي رَجَبٍ مِنْهَا أَقَبْلَ الْعَزِيزُ صُحْبَةَ عَمِّهِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ فِي عَسَاكِرَ، فَدَخَلَا دِمَشْقَ قَهْرًا، وَأَخْرَجَا مِنْهَا الْأَفْضَلَ وَوَزِيرَهُ الَّذِي أَسَاءَ تَدْبِيرَهُ، وَصَلَّى الْعَزِيزُ عِنْدَ تُرْبَةِ وَالِدِهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَخُطِبَ لَهُ بِدِمَشْقَ، وَدَخَلَ إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ وَجَلَسَ فِي دَارِ الْعَدْلِ لِلْحُكْمِ وَالْفَصْلِ، كُلُّ هَذَا وَأَخُوهُ الْأَفْضَلُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ فِي الْخِدْمَةِ، وَأَمَرَ الْقَاضِيَ مُحْيِي الدِّينِ بْنَ الزَّكِيِّ بِتَأْسِيسِ االْمَدْرَسَةِ الْعَزِيزِيَّةِ إِلَى جَانِبِ تُرْبَةِ أَبِيهِ، وَكَانَتْ دَارًا لِلْأَمِيرِ عِزِّ الدِّينِ شَامَةَ، ثُمَّ اسْتَنَابَ عَلَى دِمَشْقَ عَمَّهُ الْمَلِكَ الْعَادِلَ، وَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ تَاسِعَ شَعْبَانَ، وَالسِّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ لَهُ، وَصُولِحَ الْأَفْضَلُ عَنْ دِمَشْقَ عَلَى صَرْخَدَ وَهَرَبَ وَزِيرُهُ ابْنُ الْأَثِيرِ االْجَزَرِيُّ إِلَى جَزِيرَتِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ وَمُلْكَهُ بِجَرِيرَتِهِ، وَانْتَقَلَ الْأَفْضَلُ إِلَى صَرْخَدَ بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَخِيهِ قُطْبُ الدِّينِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ سَوْدَاءُ مُدْلَهِمَّةٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَمَعَهَا رَمْلٌ أَحْمَرُ، حَتَّى احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى السُّرُجِ بِالنَّهَارِ، وَفِيهَا وَلِيَ قِوَامُ الدِّينِ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ زِيَادَةَ كِتَابَ الْإِنْشَاءِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ بَلِيغًا، وَلَيْسَ هُوَ كَالْفَاضِلِ، وَفِيهَا دَرَّسُ مُجِيرُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ الْمُبَارَكِ بِالنِّظَامِيَّةِ،