يَضْرِبُهُ وَقَدْ جَرَحَهُ وَمَاتَ فَيَنْزَعِجُونَ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَحْمُونَ وَيَبْكُونَ وَيَحْزَنُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْ بِلَادِهِمْ لِنُصْرَةِ دِينِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَمَوْضِعِ حَجِّهِمْ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ حَتَّى النِّسَاءُ الْمُخَدَّرَاتُ وَالْأَبْنَاءُ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ أَهْلِيهِمْ مِنْ أَعْزِّ الثَّمَرَاتِ وَأَخَصِّ الْخَدِرَاتِ.

وَفِي نِصْفِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تَسَلَّمَ السُّلْطَانُ شَقَيفُ أَرْنُوَنَ بِالْأَمَانِ وَكَانَ صَاحِبُهُ مَأْسُورًا فِي الذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَكَانَ مِنْ أَدْهَى الْفِرِنْجِ وَأَخْبَرِهِمْ بِأَيَّامِ النَّاسِ وَرُبَّمَا قَرَأَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَكَانَ مَعَ هَذَا غَلِيظَ الْجِلْدِ كَافِرَ الْقَلْبِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَمَّا انْفَصَلَ فَصْلُ الشِّتَاءِ وَأَقْبَلَ الرَّبِيعُ جَاءَتِ الْمُلُوكُ مِنْ بُلْدَانِهَا بِخُيُولِهَا وَشُجْعَانِهَا وَرِجَالِهَا وَفُرْسَانِهَا وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ أَحْمَالًا مِنَ النِّفْطِ وَالرِّمَاحِ وَنَفَّاطَةً وَنَقَّابِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُتْقِنٌ فِي صَنْعَتِهِ غَايَةَ الْإِتْقَانِ وَمَرْسُومًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَانْفَتَحَ الْبَحْرُ وَتَوَاتَرَتْ مَرَاكِبُ الْفِرِنْجِ مِنْ كُلِّ جَزِيرَةٍ يَنْصُرُونَ أَصْحَابَهُمْ وَيَمُدُّونَهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالْمِيرَةِ وَعَمِلَتِ الْفِرِنْجُ ثَلَاثَةَ أَبْرِجَةٍ مِنْ خَشَبٍ وَحَدِيدٍ عَلَيْهَا جُلُودٌ مُسْقَاةٌ بِالْخَلِّ لِئَلَّا يَعْمَلَ فِيهَا النِّفْطُ يَسَعُ الْبُرْجُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَهِيَ أَعْلَى مِنْ أَبْرِجَةِ الْبَلَدِ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ عَلَى عَجَلٍ بِحَيْثُ يُدِيرُونَهَا كَيْفَ شَاءُوا، وَعَلَى ظَهْرِ كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا مَنْجَنِيقٌ كَبِيرٌ فَأَهَمَّ أَمْرُهَا الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا عَلَيْهَا حَنِقِينَ فَأَعْمَلَ السُّلْطَانُ فِكْرَهُ فِي إِحْرَاقِهَا فَاسْتَحْضَرَ النَّفَّاطِينَ وَوَعَدَهُمُ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ فَانْتُدِبَ شَابٌّ نَحَّاسٌ مِنْ دِمَشْقَ يُعْرَفُ بِعَلِيِّ بْنِ عَرِيفِ النَّحَّاسِينَ وَالْتَزَمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015