كَانَ مِنَ الْأُمُورِ، وَاسْتَشَارَهُ فِيمَا يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَالْغَزَوَاتِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ فِي جُيُوشِهِ، فَسَلَكَ عَلَى جَبَلِ نَبُوسَ، وَدَخَلَ الْبِقَاعَ وَخَيَّمَ عَلَى بَعْلَبَكَّ وَسَارَ إِلَى حِمْصَ وَجَاءَتْهُ عَسَاكِرُ الْجَزِيرَةِ وَهُوَ عَلَى الْعَاصِي فَسَارَ إِلَى السَّوَاحِلِ الشَّامِيَّةِ، فَفَتَحَ أَنْطَرْطُوسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْحُصُونِ، وَفَتَحَ جَبَلَةَ وَاللَّاذِقِيَّةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الْمُدُنِ عِمَارَةً وَرُخَامًا وَمَحَالَّ، وَفَتَحَ صُهْيُونَ وَبَكَاسَ وَالشُّغْرَ ; وَهُمَا قَلْعَتَانِ عَلَى الْعَاصِي حَصِينَتَانِ، فَتَحَهُمَا عَنْوَةً، وَفَتَحَ حِصْنَ بَرْزَيَهْ ; وَهِيَ قَلْعَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى شَاهِقِ جَبَلٍ عَالٍ مَنِيعٍ، تَحْتَهَا أَوْدِيَةٌ عَمِيقَةٌ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِحَصَانَتِهَا فِي سَائِرِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَحَاصَرَهَا أَشَدَّ حِصَارٍ وَرَكَّبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ الْكِبَارَ، وَفَرَّقَ الْجَيْشَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، كُلُّ فَرِيقٍ يَلُونَ الْقِتَالَ، فَإِذَا كَلُّوا وَتَعِبُوا خَلَفَهُمُ الْآخَرُونَ، حَتَّى لَا يَزَالَ الْقِتَالُ مُسْتَمِرًّا لَيْلًا وَنَهَارًا صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَكَانَ فَتْحُهَا فِي نَوْبَةِ السُّلْطَانِ، فَأَخَذَهَا عَنْوَةً فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَنَهَبَ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَاسْتَوْلَى عَلَى حَوَاصِلِهَا وَأَمْوَالِهَا، وَقَتَلَ حُمَاتَهَا وَرِجَالَهَا، وَسَبَى ذَرَارِيَهَا وَأَطْفَالَهَا، ثُمَّ عَدَلَ عَنْهَا فَفَتَحَ حِصْنَ دَرَبْسَاكَ وَحِصْنَ بَغْرَاسَ كُلُّ ذَلِكَ يَفْتَحُهُ عَنْوَةً فَيَغْنَمُ وَيَسْلَمُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
ثُمَّ سَمَتْ هِمَّتُهُ الْعَالِيَةُ إِلَى فَتْحِ أَنْطَاكِيَةَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَهْلَكَ مَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهَا بِكَثْرَةِ الْجُنُودِ، فَرَاسَلَهُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْهُدْنَةَ عَلَى أَنْ يُطْلِقَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَجَابَهُ السُّلْطَانُ إِلَى ذَلِكَ لِعِلْمِهِ