إِلَى الْحَمَّامِ فَرَأَى رَجُلًا كَانَ يَعْرِفُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ نَزَلَ بِهِ الْحَالُ حَتَّى إِنَّهُ تَسَتَّرَ بِبَعْضِ يَدَيْهِ حَتَّى لَا يَبْدُوَ جِسْمُهُ، فَرَقَّ لَهُ وَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَنْقُلَ بَقُجَّةً وَبِسَاطًا إِلَى مَوْضِعِ الرَّجُلِ، وَأَحْضَرَ بِهِ بَغْلَةً وَأَلْفَ دِينَارٍ وَتَوْقِيعًا لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَدَخَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَفْقَرِ النَّاسِ، وَخَرَجَ وَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى الْأَجْوَادِ الْأَكْيَاسِ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الرِّفَاعِيُّ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرِّفَاعِيِّ، شَيْخُ الطَّائِفَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَالرِّفَاعِيَّةِ الْبَطَائِحِيَّةِ لِسُكْنَاهُ أُمَّ عَبِيدَةَ مِنْ قُرَى الْبَطَائِحِ وَهِيَ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ، كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْعَرَبِ فَسَكَنَ هَذِهِ الْبِلَادَ، وَالْتَفَّ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَفِظَ " التَّنْبِيهَ " فِي الْفِقْهِ. وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلِأَتْبَاعِهِ أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ مِنْ أَكْلِ الْحَيَّاتِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَالنُّزُولِ فِي التَّنَانِيرِ وَهِيَ تَضْطَرِمُ، فَيُطْفِئُونَهَا، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ يَرْكَبُونَ الْأُسْوَدَ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ عَقِبٌ، وَإِنَّمَا النَّسْلُ لِأَخِيهِ، وَذُرِّيَّتُهُ يَتَوَارَثُونَ الْمَشْيَخَةَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ. وَقَالَ: وَمِنْ شِعْرِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ، عَلَى مَا قِيلَ:
إِذَا جَنَّ لَيْلِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِكُمْ ... أَنُوحُ كَمَا نَاحَ الْحَمَامُ الْمُطَوَّقُ