وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ عُيُونٍ.
اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالسُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ نَازِلٌ بِجَيْشِهِ عَلَى تَلِّ الْقَاضِي بِبَانِيَاسَ، ثُمَّ قَصَدَهُ الْفِرِنْجُ بِجَمْعِهِمْ، فَنَهَضَ إِلَيْهِمْ نُهُوضَ الْأَسَدِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَوَاجَهَ الْفَرِيقَانِ وَاصْطَدَمَ الْجُنْدَانِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَعْدَاءَ وَحْدَهُ، فَفَرَّتْ أَلْوِيَةُ الصُّلْبَانِ ذَاهِبَةً، وَخَيْلُ اللَّهِ لِرِقَابِهِمْ رَاكِبَةٌ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَأُسِرَ مِنْ مُلُوكِهِمْ جَمَاعَةٌ، وَأَنَابُوا إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، مِنْهُمْ مُقَدَّمُ الدَّاوِيَّةِ، وَمُقَدَّمُ الْإِسْبِتَارِيَّةِ وَصَاحِبُ الرَّمْلَةِ وَصَاحِبُ طَبَرِيِّةَ وَقَسْطَلَانُ يَافَا وَآخَرُونَ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَخَلْقٌ مِنْ شُجْعَانِهِمْ وَأَبْطَالِهِمْ، وَمِنْ فُرْسَانِ الْقُدْسِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَسِيرٍ مِنْ أَشْرَافِ النَّصَارَى، فَصَارُوا يَتَهَادَوْنَ فِي قُيُودِهِمْ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى.
قَالَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ: فَاسْتَعْرَضَهُمُ السُّلْطَانُ فِي اللَّيْلِ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ عَلَى الظَّلْمَاءِ، وَصَلَّى يَوْمَئِذٍ الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ جَالِسًا لَيْلَتَئِذٍ فِي