رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ
وَمَعَ هَذَا دَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي الْبُلْدَانِ فَرَحًا بِسَلَامَةِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ تَجْرِ مِثْلُ هَذِهِ الْوَقْعَةِ إِلَّا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَذَلِكَ يَوْمَ حِطِّينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ السُّلْطَانُ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ ثَبَاتًا عَظِيمًا، وَأَسَرَ لِلْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ وَلَدُهُ شَاهِنْشَاهْ، فَبَقِيَ عِنْدَهُمْ سَبْعَ سِنِينَ، وَقُتِلَ ابْنُهُ الْآخَرُ، وَكَانَ شَابًّا قَدْ طَرَّ شَارِبُهُ، فَحَزِنَ عَلَى الْمَقْتُولِ وَالْمَفْقُودِ، وَصَبَرَ تَأَسِّيًا بِأَيُّوبَ، وَنَاحَ كَمَا نَاحَ دَاوُدُ، وَأُسِرَ الْفَقِيهَانِ الْأَخَوَانِ، ضِيَاءُ الدِّينِ عِيسَى، وَظَهِيرُ الدِّينِ، فَافْتَدَاهُمَا السُّلْطَانُ بَعْدَ سِنِينَ بِسَبْعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
وَفِيهَا تَخَبَّطَتِ الدَّوْلَةُ بِحَلَبَ، وَقَبَضَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُورِ الدِّينِ عَلَى الْخَادِمِ كُمُشْتِكِينَ، وَأَلْزَمَهُ بِتَسْلِيمِ قَلْعَةِ حَارِمٍ وَكَانَتْ لَهُ، فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَّقَهُ مَنْكُوسًا، وَدَخَّنَ تَحْتَ أَنْفِهِ حَتَّى مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَصَدَتِ الْفِرِنْجُ حَارِمًا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سُلِّمَتْ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ.
وَفِيهَا جَاءَ مَلِكٌ كَبِيرٌ مِنْ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ يَرُومُ أَخْذَ الشَّامِ لِغَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَاشْتِغَالِ نُوَّابِهِ بِلَذَّاتِهِمْ.
قَالَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ: وَمِنْ شَرْطِ هُدْنَةِ الْفِرِنْجِ أَنَّهُ مَتَى جَاءَ مَلِكٌ كَبِيرٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَيُؤَازِرُونَهُ وَيَنْصُرُونَهُ، فَإِذَا انْصَرَفَ