وَنَائِبُهُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عِنْدَ بَحْرِ الْقُلْزُمِ وَمَعَهُ مِنَ الْهَدَايَا شَيْءٌ كَثِيرٌ وَلَا سِيَّمَا الْمَآكِلُ الْمُتَنَوِّعَةُ، وَكَانَ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَدَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَشَرَعَ يَذْكُرُ مَحَاسِنَهَا، وَمَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْبُلْدَانِ، وَوَصَفَ الْهَرَمَيْنِ، وَشَبَّهَهُمَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّشْبِيهَاتِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ حَسْبَ مَا ذَكَرَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ ".
وَفِي شَعْبَانَ رَكِبَ السُّلْطَانُ النَّاصِرُ بْنُ أَيُّوبَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأَسْمَعَ وَلَدَيْهِ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا، وَالْعَزِيزَ عُثْمَانَ عَلَى الْحَافِظِ السَّلَفِيِّ، وَتَرَدَّدَ بِهِمَا إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ رَابِعَ رَمَضَانَ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى الصِّيَامِ بِهَا، وَقَدْ كَمَّلَ عِمَارَةَ السُّورِ عَلَى الْبَلَدِ، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْأُسْطُولِ وَإِصْلَاحِ مَرَاكِبِهِ وَسُفُنِهِ وَشَحْنِهِ بِالرِّجَالِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِغَزْوِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَأَقْطَعَهُمُ الْإِقْطَاعَاتِ الْجَزِيلَةَ، وَأَرْصَدَ لِصَالِحِ الْأُسْطُولِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ شُئُونِهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فِي أَثْنَاءِ رَمَضَانَ فَأَكْمَلَ صَوْمَهُ بِهَا.
وَفِيهَا أَمَرَ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ بِبِنَاءِ مَدْرَسَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى قَبْرِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَجَعَلَ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّينِ الْخُبُوشَانِيَّ مُدَرِّسَهَا وَنَاظِرَهَا.
وَفِيهَا أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَارَسْتَانِ بِالْقَاهِرَةِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَوْقَافًا كَثِيرَةً. وَفِيهَا بَنَى الْأَمِيرُ مُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ نَائِبُ قَلْعَةِ الْمَوْصِلِ جَامِعًا حَسَنًا وَرِبَاطًا وَمَدْرَسَةً وَمَارَسْتَانًا