مَحْمُودٌ؟ مَنْ كَانَ يَحْفَظُ الْبِلَادَ قَبَلِي؟ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. قَالَ: فَبَكَى مَنْ حَضَرَ.
وَقَدْ أَسَرَ بِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ بَعْضَ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ فَاسْتَشَارَ الْأُمَرَاءَ فِيهِ ; هَلْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَأْخُذُ مَا يُبْذَلُ لَهُ مِنَ الْمَالِ فِي الْفِدَاءِ؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ ثُمَّ حَسُنَ فِي رَأْيِهِ إِطْلَاقُهُ وَأَخَذُ الْفِدَاءِ، فَحِينَ جَهَّزَ بَعْثَ الْفِدَاءِ، مَاتَ بِبَلَدِهِ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ نُورَ الدِّينِ وَأَصْحَابَهُ، وَابْتَنَى نُورُ الدِّينِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الْبِيمَارَسْتَانَ الَّذِي بُنِيَ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا بُنِيَ مِنَ الْبِيمَارَسْتَانَاتِ بِالْبِلَادِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنَّهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يَعِزُّ وُجُودُهَا إِلَّا فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، وَمَنْ جَاءَ مُسْتَوْصِفًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ شَرَابِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ إِلَيْهِ نُورُ الدِّينِ وَشَرِبَ مِنْ شَرَابِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قُلْتُ: وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّهُ لَمْ تَخْمُدْ مِنْهُ النَّارُ مُنْذُ بُنِيَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ بَنَى الْخَانَاتِ فِي الطُّرُقِ وَالْأَبْرَاجَ، وَرَتَّبَ الْخُفَرَاءَ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَخُوفَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا الْحَمَامَ الْهَوَادِيَ الَّتِي تُطَالِعُ الْأَخْبَارَ فِي أَسْرَعِ مُدَّةٍ، وَبَنَى الرُّبُطَ وَالْخَانِقَاهَاتِ، وَكَانَ يَجْمَعُ الْفُقَهَاءَ عِنْدَهُ لِلْبَحْثِ، وَالْمَشَايِخَ وَالصُّوفِيَّةَ لِلزِّيَارَةِ، وَيُكْرِمُهُمْ وَيُعَظِّمُهُمْ وَقَدْ نَالَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ عِنْدَهُ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ; وَهُوَ قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ، فَقَالَ لَهُ نُورُ الدِّينِ: وَيْحَكَ! إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْكَثِيرَةِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ مِمَّا يُكَفِّرُ عَنْهُ سَيِّئَاتِ مَا ذَكَرْتَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، عَلَى أَنِّي وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُكَ، وَإِنْ عُدْتَ ذَكَرْتَهُ أَوْ أَحَدًا غَيْرَهُ بِسُوءٍ لَأَدَّبْتُكَ. قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.