وَالْمَخَالِيفَ وَاسْتَوْسَقَ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ بِحَذَافِيرِهِ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهِ وَمَطَامِيرِهِ، وَخَطَبَ فِيهَا لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْمُسْتَضِيءِ، وَقَتَلَ الدَّعِيَّ الْمُسَمَّى بِعَبْدِ النَّبِيِّ، وَصَفَتِ الْيَمَنُ مِنْ أَكْدَارِهَا، وَعَادَتْ إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ مِضْمَارِهَا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَخِيهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُخْبِرُهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ فَكَتَبَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بِذَلِكَ إِلَى نُورِ الدِّينِ فَأَرْسَلَ نُورُ الدِّينِ بِذَلِكَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُبَشِّرُهُ بِفَتْحِ الْيَمَنِ وَالْخُطْبَةِ بِهَا لَهُ.
وَفِيهَا خَرَجَ الْمُوَفَّقُ خَالِدُ بْنُ الْقَيْسَرَانِيِّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ أَقَامَ بِهَا الْمَلِكُ النَّاصِرُ حِسَابَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَمَا خَرَجَ مِنَ الْحَوَاصِلِ حَسْبَمَا رَسَمَ بِهِ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ كَادَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ - لَمَّا جَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ بِذَلِكَ - يُظْهِرُ شَقَّ الْعَصَا وَيُكَاشِرُ بِالْمُخَالَفَةِ وَالْإِبَاءِ، وَلَكِنْ عَادَ إِلَى طِبَاعِهِ الْحَسَنَةِ وَأَظْهَرَ الطَّاعَةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ، وَأَمَرَ بِكِتَابَةِ الْحِسَابِ وَتَحْرِيرِ الْكِتَابِ، فَامْتَثَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةُ الدَّوَاوِينِ وَالْحِسَابِ وَالْكُتَّابُ وَبَعَثَ مَعَ ابْنَ الْقَيْسَرَانِيِّ بِهَدِيَّةٍ سَنِيَّةٍ، وَتُحَفٍ هَائِلَةٍ هَنِيَّةٍ ; فَمِنْ ذَلِكَ خَمْسُ خَتَمَاتٍ شَرِيفَاتٍ مُغَطَّاتٍ بِخُطُوطٍ مُسْتَوَيَاتٍ، وَمِائَةُ عِقْدٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَاتِ، خَارِجًا مِنْ قِطَعِ الْبَلْخَشِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفُصُوصِ وَالثِّيَابِ الْفَاخِرَاتِ، وَالْأَوَانِي وَالْأَبَارِيقِ وَالصِّحَافِ الذَّهَبِيَّاتِ وَالْفِضِّيَّاتِ، وَالْخُيُولِ وَالْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي الْحِسَانِ وَالْحَسَنَاتِ، وَمِنَ الذَّهَبِ عَشَرَةُ صَنَادِيقَ مُقَفَّلَاتٍ مَخْتُومَاتٍ، مِمَّا لَا يُدْرَى كَمْ عِدَّةُ مَا فِيهَا مِنْ مِئِينَ أُلُوفٍ مِنَ الذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ