فِيهَا كَانَ فَتْحُ مِصْرَ عَلَى يَدَيِ الْأَمِيرِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ وَفِيهَا طَغَتِ الْفِرِنْجُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَذَلِكَ لَمَّا جُعِلَ لَهُمْ شِحْنَةٌ بِهَا، وَتَحَكَّمُوا فِي أَبْوَابِهَا وَسَكَنَهَا أَكْثَرُ شُجْعَانِهَا، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَنْ يَسْتَحْوِذُوا عَلَيْهَا وَيُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَكِبَ أَمْدَادُ الْفِرِنْجِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَسَارُوا صُحْبَةَ مَرِّيٍّ مَلِكِ عَسْقَلَانَ فِي جَحَافِلَ هَائِلَةٍ، فَأَوَّلُ مَا أَخَذُوا مَدِينَةُ بِلْبِيسَ، فَقَتَلُوا مِنْهَا خَلْقًا وَأَسَرُوا آخَرِينَ، وَنَزَلُوا بِهَا وَتَرَكُوا فِيهَا أَثْقَالَهُمْ، وَجَعَلُوهَا مَوْئِلًا وَمَعْقِلًا لَهُمْ، ثُمَّ جَاءُوا فَنَزَلُوا عَلَى الْقَاهِرَةِ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْبَرْقِيَّةِ، فَأَمَرَ الْوَزِيرُ شَاوَرُ النَّاسَ أَنْ يَحْرِقُوا مِصْرَ وَأَنْ يَنْتَقِلَ النَّاسُ مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَةِ، فَنُهِبَ الْبَلَدُ وَذَهَبَ لِلنَّاسِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَبَقِيَتِ النَّارُ تَعْمَلُ فِي مِصْرَ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَرْسَلَ صَاحِبُهَا الْعَاضِدُ يَسْتَغِيثُ بِنُورِ الدِّينِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِشُعُورِ نِسَائِهِ يَقُولُ: أَدْرِكْنِي وَاسْتَنْقِذْ نِسَائِيَ مِنْ أَيْدِي الْفِرِنْجِ. وَالْتَزَمَ لَهُ بِثُلُثِ خَرَاجِ مِصْرَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ أَسَدُ الدِّينِ مُقِيمًا عِنْدَهُمْ، وَلَهُمْ إِقْطَاعَاتٌ زَائِدَةٌ عَلَى الثُّلُثِ، فَشَرَعَ نُورُ الدِّينِ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَلَمَّا اسْتَشْعَرَ الْوَزِيرُ شَاوَرُ بِوُصُولِ الْمُسْلِمِينَ، أَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ الْفِرِنْجِ يَقُولُ لَهُ: قَدْ عَرَفْتَ مَحَبَّتِي وَمَوَدَّتِي وَلَكِنَّ