شَاوَرُ عَمًّا كَانَ عَاهَدَ عَلَيْهِ نُورَ الدِّينِ، وَأَمَرَ أَسَدَ الدِّينِ بِالرُّجُوعِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، وَعَاثَ فِي الْبِلَادِ، وَأَخَذَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَافْتَتَحَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَاسْتَغَاثَ شَاوَرُ عَلَيْهِمْ بِمَلِكِ الْفِرِنْجِ الَّذِي بِعَسْقَلَانَ، وَاسْمُهُ مُرِّيٌّ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ فَتَحَوَّلَ أَسَدُ الدِّينِ إِلَى بِلْبِيسَ وَقَدْ حَصَّنَهَا وَشَحَنَهَا بِالْعُدَدِ وَالْآلَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَحَصَرُوهُ فِيهَا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَامْتَنَعَ أَسَدُ الدِّينِ وَأَصْحَابُهُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ قَدِ اغْتَنَمَ غَيْبَةَ الْفِرِنْجِ فَسَارَ بِالْعَسَاكِرِ إِلَى بِلَادِهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَفَتَحَ حَارِمًا وَقَتَلَ مِنَ الْفِرِنْجِ خَلْقًا، وَسَارَ إِلَى بَانِيَاسَ فَضَعُفَ أَمْرُ الْفِرِنْجِ بِدِيَارِ مِصْرَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَطَلَبُوا مِنْ أَسَدِ الدِّينِ الْمُصَالَحَةَ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَبَضَ مِنْ شَاوَرَ سِتِّينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَخَرَجَ أَسَدُ الدِّينِ وَجَيْشُهُ فَسَارُوا إِلَى الشَّامِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا.
وَقْعَةُ حَارِمٍ
كَانَ فَتْحُ حَارِمٍ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ اسْتَغَاثَ بِعَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ - فَجَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ - لِيَأْخُذَ ثَأْرَهُ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَالْتَقَى مَعَهُمْ بِتَلِّ حَارِمٍ فَكَسَرَهُمْ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَأَسَرَ الْبِرِنْسَ صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ وَالْقُومَصَ صَاحِبَ طَرَابُلُسَ وَالدُّوكَ مُقَدَّمَ الرُّومِ، وَابْنَ جُوسْلِينَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَقِيلَ: عِشْرِينَ أَلْفًا.