فَأَضْحَى يَتِيهُ عَلَى كُلِّ مَا ... بُنِيَ مَغْرِبًا كَانَ أَوْ مَشْرِقَا
تَظَلُّ الْوُفُودُ بِهِ عُكَّفًا ... وَتُمْسِي الضُّيُوفُ بِهِ طُرَّقَا
بَقِيتَ لَهُ يَا جَمَالَ الْمُلُو ... كِ وَالْفَضْلِ مَهْمَا أَرَدْتَ الْبَقَا
وَسَالَمَهُ فِيكَ رَيْبُ الزَّمَانِ ... وَوُقِّيتَ مِنْهُ الَّذِي يُتَّقَى
فَمَا صَدَقَتْ هَذِهِ الْأَمَانِي بَلْ عَمَّا قَرِيبٍ - بَعْدَ نَيْلِهَا - اتَّهَمَ الْخَلِيفَةُ ابْنَ أَفْلَحَ بِأَنَّهُ يُكَاتِبُ دُبَيْسًا، فَأَمَرَ بِتَخْرِيبِ هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا جِدَارٌ، بَلْ صَارَتْ خَرَابَةً بَعْدَ مَا كَانَ قَدْ حَسُنَ مِنْهَا الْمُقَامُ وَالْقَرَارُ، وَهَذِهِ حِكْمَةُ اللَّهِ مَنْ يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَتَجْرِي بِمَشِيئَتِهِ الْأَقْدَارُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَشْيَاءَ حَسَنَةً مِنْ نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ فَمِنْ ذَلِكَ:
دَعِ الْهَوَى لِأُنَاسٍ يُعْرَفُونَ بِهِ ... قَدْ مَارَسُوا الْحُبَّ حَتَّى لَانَ أَصْعَبُهُ
بَلَوْتَ نَفْسَكَ فِيمَا لَسْتَ تَخْبُرُهُ ... وَالشَّيْءُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ لَا يُجَرِّبُهُ
اقْنِ اصْطِبَارًا وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ جَلَدًا ... فَرُبَّ مُدْرِكِ أَمْرٍ عَزَّ مَطْلَبُهُ
أَحْنِي الضُّلُوْعَ عَلَى قَلْبٍ يُحَيِّرُنِي ... فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيُعْيِينِي تَقَلُّبُهُ