فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ نَقِيبَ النُّقَبَاءِ وَقَاضِيَ الْقُضَاةِ وَشَيْخَ الشُّيُوخِ وَبِضْعَةً وَثَلَاثِينَ شَاهِدًا، فَاحْتَبَسَهُمُ السُّلْطَانُ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ، فَسَاءَ ذَلِكَ النَّاسَ وَخَافُوا مِنْ فِتْنَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى، وَكَانَ يَرَنُقْشُ الزَّكَوِيُّ شِحْنَةُ بَغْدَادَ يُغْرِي السُّلْطَانَ بِأَهْلِ بَغْدَادَ لِيَنْهَبَ أَمْوَالَهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، ثُمَّ أَذِنَ لِأُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، فَصَلَّى بِهِمُ الْقَاضِي وَقَرَءُوا عَلَيْهِ كِتَابَ الْخَلِيفَةِ، فَقَامَ قَائِمًا، فَأَجَابَ الْخَلِيفَةَ إِلَى جَمِيعِ مَا اقْتَرَحَ عَلَيْهِ، وَوَقَعَ الصُّلْحُ وَالتَّحْلِيفُ، وَدَخَلَ جَيْشُ السُّلْطَانِ إِلَى بَغْدَادَ وَهُمْ فِي غَايَةِ الْجَهْدِ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ عِنْدَهُمْ فِي الْعَسْكَرِ، وَقَالُوا: لَوْ لَمْ يُصَالِحْ لَمِتْنَا جُوعًا، وَظَهَرَ مِنَ السُّلْطَانِ حِلْمٌ كَثِيرٌ عَنِ الْعَوَامِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِرَدِّ مَا نُهِبَ مِنْ دُورِ الْجُنْدِ، وَأَنَّ مَنْ كَتَمَ شَيْئًا أُبِيحَ دَمُهُ، وَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ عَلِيَّ بْنَ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيَّ النَّقِيبَ إِلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ ; لِيُبْعِدَ عَنْ بَابِهِ دُبَيْسًا، وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْخِلَعَ وَالْأَلْوِيَةَ، فَأَكْرَمَ السُّلْطَانُ الرَّسُولَ، وَأَذِنَ بِضَرْبِ الطُّبُولِ عَلَى بَابِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ، وَظَهَرَ مِنْهُ طَاعَةٌ كَبِيرَةٌ.
ثُمَّ مَرِضَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بِبَغْدَادَ فَأَمَرَهُ الطَّبِيبُ بِالِانْتِقَالِ عَنْهَا إِلَى هَمَذَانَ، فَسَارَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ وَفَوَّضَ شِحْنَكِيَّةِ بَغْدَادَ إِلَى عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي، فَلَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى هَمَذَانَ بَعَثَ إِلِى شِحْنَكِيَّةِ بَغْدَادَ مُجَاهِدَ الدِّينِ بِهْرُوزَ وَجَعَلَ إِلَيْهِ الْحِلَّةِ، وَبَعَثَ عِمَادَ الدِّينِ زَنْكِي إِلَى الْمَوْصِلِ وَأَعْمَالِهَا.
وَفِيهَا دَرَّسَ الْحَسَنُ بْنُ سَلْمَانَ بِالنِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ.
وَفِيهَا وَرَدَ أَبُو الْفُتُوحِ الْإِسْفَرَايِينِيُّ فَوَعَظَ بِبَغْدَادَ، فَأَوْرَدَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةً