جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السَّاحِلِ فِي ثَلَاثِمَائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.

قُلْتُ: وَقَدْ حَكَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ بَعْثَ حَمْزَةَ قَبْلَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ بَعْثَ حَمْزَةَ كَانَ قَبْلَ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، فَلَمَّا قَفَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْأَبْوَاءِ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ سَرِيَّةُ حَمْزَةَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى، وَبَعْدَهَا سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شِعْرًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَايَتَهُ أَوَّلُ رَايَةٍ عُقِدَتْ فِي الْإِسْلَامِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:

فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ، لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إِلَّا حقا، والله أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا فَعُبَيْدَةُ أَوَّلُ، وَالْقَصِيدَةُ هِيَ قَوْلُهُ:

أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتَّحَلُّمِ وَالْجَهْلِ ... وللنقض مِنْ رَأْيِ الرِّجَالِ وَلِلْعَقْلِ

وَلِلرَّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٌ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ

كأنا بتلناهم ولا بتل [1] عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ

وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ

فَمَا بَرِحُوا حَتَّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةٍ ... لَهُمْ حَيْثُ حَلُّوا أَبْتَغِي رَاحَةَ الْفَضْلِ

بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ أَوَّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لاح من قبل

لِوَاءٌ لَدَيْهِ النَّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إِلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفْضَلُ الْفِعْلِ

عَشِيَّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلُّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي

فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقَّلُوا ... مَطَايَا وَعَقَّلْنَا مَدَى غَرَضِ النَّبْلِ

وَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمُ إِلَّا الضَّلَالَةُ مِنْ حَبْلِ

فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ

وَمَا نَحْنُ إِلَّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ مِائَتَانِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَضْلِ

فِيَالَ لُؤَيٍّ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السَّهْلِ

فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْكُمُ ... عذاب فتدعوا بالندامة والثكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015