مطلقة فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ انْحَازَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعْبِهِ وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَخَرَجَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى قُرَيْشٍ فَظَاهَرَهُمْ. وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا لَهَبٍ لَقِيَ هِنْدَ بِنْتَ عتبة ابن رَبِيعَةَ حِينَ فَارَقَ قَوْمَهُ وَظَاهَرَ عَلَيْهِمْ قُرَيْشًا. فَقَالَ: يَا ابْنَةَ عُتْبَةَ هَلْ نَصَرْتُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَفَارَقْتُ مَنْ فَارَقَهَا وَظَاهَرَ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ! فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ- يَعِدُنِي مُحَمَّدٌ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا يَزْعُمُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَمَاذَا وَضَعَ فِي يَدِي بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ ينفخ في يديه فيقول تبالكما لَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 111: 1. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَصَنَعُوا فِيهِ الَّذِي صَنَعُوا قَالَ أَبُو طَالِبٍ:

أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا ... لُؤَيًّا وَخُصَّا مِنْ لُؤَيٍّ بَنِي كَعْبِ

أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا ... نَبِيًّا كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتْبِ

وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبَّةً ... وَلَا خَيْرَ مِمَّنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِالْحُبِّ [1]

وأن الّذي الصقتموا مِنْ كِتَابِكُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ نَحْسًا كَرَاغِيَةِ السَّقْبِ

أَفِيقُوا أَفِيقُوا قَبْلَ أَنْ يُحْفَرَ الثَّرَى ... وَيُصْبِحَ مَنْ لَمْ يَجْنِ ذَنْبًا كَذِي الذَّنْبِ

وَلَا تَتْبَعُوا أَمْرَ الْوُشَاةِ وَتَقْطَعُوا ... أَوَاصِرَنَا بَعْدَ الْمَوَدَّةِ وَالْقُرْبِ

وَتَسْتَجْلِبُوا حَرْبًا عَوَانًا وَرُبَّمَا ... أَمَرَّ عَلَى مَنْ ذَاقَهُ حَلَبُ الْحَرْبِ

فَلَسْنَا وَرَبِّ الْبَيْتِ نُسْلِمُ أَحَمَدًا ... لِعَزَّاءَ مِنْ عَضِّ الزَّمَانِ وَلَا كَرْبِ

وَلَمَّا تَبِنْ مِنَّا وَمِنْكُمْ سَوَالِفٌ ... وَأَيْدٍ أُتِرَّتْ بِالْقُسَاسِيَّةِ الشُّهْبِ

بِمُعْتَرَكٍ ضَيْقٍ تَرَى كِسَرَ الْقَنَا ... بِهِ وَالنُّسُورَ الطُّخْمَ يَعْكُفْنَ كَالشَّرْبِ

كَأَنَّ ضحال الْخَيْلِ فِي حَجَرَاتِهِ ... وَمَعْمَعَةَ الْأَبْطَالِ مَعْرَكَةُ الْحَرْبِ

أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِمٌ شَدَّ أَزْرَهُ ... وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ

وَلَسْنَا نَمْلُّ الْحَرْبَ حَتَّى تَمَلَّنَا ... وَلَا نَشْتَكِي مَا قَدْ يَنُوبُ مِنَ النَّكْبِ

وَلَكِنَّنَا أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالنُّهَى ... إِذَا طَارَ أَرْوَاحُ الْكُمَاةِ مِنَ الرُّعْبِ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى جَهِدُوا وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إِلَّا سِرًّا مُسْتَخْفِيًا بِهِ مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- لقي حكيم بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015