يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ مِمَّنْ لَا يَعْبُدُهُ» . قَالَ خَالِدٌ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِ، وَتَغَيَّبَ خَالِدٌ وَعَلِمَ أَبُوهُ بِإِسْلَامِهِ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ فَأُتِي بِهِ. فَأَنَّبَهُ وَضَرَبَهُ بِمِقْرَعَةٍ فِي يَدِهِ حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَمْنَعَنَّكَ القوت: فقال خالد إن مَنَعْتَنِي فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي مَا أَعِيشُ بِهِ، وَانْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُكْرِمُهُ وَيَكُونُ مَعَهُ.
قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حدثني رجل ممن أَسْلَمَ- وَكَانَ وَاعِيَةً- أَنَّ أَبَا جَهْلٍ اعْتَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَنَالَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ مِنَ الْعَيْبِ لِدِينِهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً شَجَّهُ مِنْهَا شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إِلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ مِنْهُ. وَقَالُوا مَا نَرَاكَ يَا حمزة إلا قد صبوت؟ قَالَ حَمْزَةُ وَمَنْ يَمْنَعُنِي وَقَدِ اسْتَبَانَ لِي منه ما أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الّذي يقول حق، فو الله لَا أَنْزِعُ فَامْنَعُونِي إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ فَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا، فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَزَّ وَامْتَنَعَ فَكَفُّوا عَمَّا كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ مِنْهُ. وَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا [1] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ حَمْزَةُ إِلَى بَيْتِهِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ اتَّبَعْتَ هَذَا الصَّابِئَ وَتَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ، لَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا صَنَعْتَ. فاقبل حمزة على نفسه وَقَالَ مَا صَنَعْتُ اللَّهمّ إِنْ كَانَ رُشْدًا فَاجْعَلْ تَصْدِيقَهُ فِي قَلْبِي، وَإِلَّا فَاجْعَلْ لِي مِمَّا وَقَعْتُ فِيهِ مَخْرَجًا فَبَاتَ بِلَيْلَةٍ لَمْ يَبِتْ بِمِثْلِهَا مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، حَتَّى أَصْبَحَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: يا ابن أخى إني قد وقعت في أمر ولا أَعْرِفُ الْمَخْرَجَ مِنْهُ، وَإِقَامَةُ مِثْلِي عَلَى مَا لا أدرى ما هو أرشد أم هو غَيٌّ شَدِيدٌ؟ فَحَدِّثْنِي حَدِيثًا فَقَدِ اشْتَهَيْتُ يَا ابن أَخِي أَنْ تُحَدِّثَنِي، فَأَقْبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ وَبَشَّرَهُ، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: أَشْهَدُ أَنَّكَ الصَّادِقُ شَهَادَةَ الصِّدْقِ، فَأَظْهِرْ يَا ابن أخى دينك فو الله مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، وَأَنِّي عَلَى دِينِيَ الْأَوَّلِ. فَكَانَ حَمْزَةُ مِمَّنْ أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ.