تَرَدَّى لِمَوْلُوْدٍ أَنَارَتْ بِنُورِهِ ... جَمِيعُ فِجَاجِ الْأَرْضِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ
وَخرَّتْ لَهُ الْأَوْثَانُ طُرًّا وَأُرْعِدَتْ ... قُلُوبُ مُلُوكِ الْأَرْضِ طُرًّا مِنَ الرُّعْبِ
وَنَارُ جَمِيعِ الْفُرْسِ بَاخَتْ وَأَظْلَمَتْ ... وَقَدْ بَاتَ شَاهُ الْفُرْسِ فِي أَعْظَمِ الْكَرْبِ
وَصُدَّتْ عَنِ الْكُهَّانِ بِالْغَيْبِ جِنُّهَا ... فَلَا مُخْبِرٌ عَنْهُمْ بِحَقٍّ ولا كذب
فيا لقصي إِرْجِعُوا عَنْ ضَلَالِكُمْ ... وَهُبُّوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْزِلِ الرَّحْبِ
قَالَ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ خَلَصُوا نَجِيًّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَصَادَقُوا وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا أَجَلْ، فَقَالَ لَهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى دِينٍ وَلَقَدْ أَخْطَئُوا الْحُجَّةَ وَتَرَكُوا دِينَ إِبْرَاهِيمَ مَا حَجَرٌ تُطِيفُونَ بِهِ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ يَا قَوْمِ الْتَمِسُوا لِأَنْفُسِكُمُ الدِّينَ. قَالَ فَخَرَجُوا عِنْدَ ذَلِكَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَسْأَلُونَ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ حَتَّى عَلِمَ عِلْمًا وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَسَارَ إِلَى قَيْصَرَ فَتَنَصَّرَ وَحَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ فَحُبِسَ ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَرَبَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَ الرِّقَّةَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ فَلَقِيَ بِهَا رَاهِبًا عَالِمًا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَطْلُبُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ إِنَّكَ لَتَطْلُبُ دِينًا مَا تَجِدُ مَنْ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِكَ يُبْعَثُ بِدِينِ الْحَنِيفِيَّةِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ رَجَعَ يُرِيدُ مَكَّةَ فَغَارَتْ عَلَيْهِ لخم فقتلوه، وأما عبد اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَرَجَ مَعَ مَنْ خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا صَارَ بِهَا تَنَصَّرَ وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ فَكَانَ بِهَا حَتَّى هَلَكَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيًّا. تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ زيد بن عمر بْنِ نُفَيْلٍ لَهُ شَاهِدٌ.
وَقَدْ قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَنَسٍ السُّلَمِيِّ عَنِ العباس بن مرداس انه كان يعر فِي لَقَاحٍ لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ إِذْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ نَعَامَةٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهَا رَاكِبٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بياض مِثْلُ اللَّبَنِ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ بْنَ مِرْدَاسٍ ألم تر أن السماء قد كَفَتْ أَحْرَاسَهَا، وَأَنَّ الْحَرْبَ تَجَرَّعَتْ أَنْفَاسَهَا، وَأَنَّ الْخَيْلَ وَضَعَتْ أَحْلَاسَهَا، وَأَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالْبِرِّ والتقوى، يوم الاثنين ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصوى قَالَ فَرَجَعْتُ مَرْعُوبًا قَدْ رَاعَنِي مَا رَأَيْتُ وسمعت حتى جئت وثنا لنا يدعى الضماد وَكُنَّا نَعْبُدُهُ وَنُكَلَّمُ مَنْ جَوْفِهِ فَكَنَسْتُ مَا حَوْلَهُ ثُمَّ تَمَسَّحْتُ بِهِ وَقَبَّلْتُهُ فَإِذَا صَائِحٌ مَنْ جَوْفِهِ يَقُولُ:
قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كلها ... هلك الضماد وفاز أهل المسجد
هلك الضماد وكان يعبد مرة ... قبل الصلاة مَعَ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مريم من قريش مهتد
قَالَ فَخَرَجْتُ مَرْعُوبًا حَتَّى أَتَيْتُ قَوْمِي فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ وَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ وَخَرَجْتُ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ