ذُو بَكَّةَ، صَنَعْتُهَا يَوْمَ صَنَعْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ، وَبَارَكْتُ لِأَهْلِهَا فِي اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَفِي الصَّفْحِ الثَّانِي: إِنِّي أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي. فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ، وَفِي الصَّفْحِ الثَّالِثِ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَقَدَّرْتُهُ. فَطُوبَى لِمَنْ أَجْرَيْتُ الْخَيْرَ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ أُجْرَيْتُ الشَّرَّ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتِ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا، كُلُّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ. ثُمَّ بنوها حتى بلغ البناء مَوْضِعَ الرُّكْنِ. فَاخْتَصَمُوا فِيهِ كُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الْأُخْرَى.
حَتَّى تحاوروا أو تحالفوا، وَأَعَدُّوا لِلْقِتَالِ فَقَرَّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا. ثُمَّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيِّ ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدَّمِ فِي تِلْكَ الْجَفْنَةِ. فَسُمُّوا لعقة الدم. فمكشت قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا. فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ- وَكَانَ عَامَئِذٍ أَسَنَّ قُرَيْشٍ كُلِّهَا قَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ فِيهِ.
فَفَعَلُوا. فَكَانَ أَوَّلَ دَاخِلٍ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا، هَذَا مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمُّوا إِلَيَّ ثَوْبًا» فَأُتِيَ بِهِ وَأَخَذَ الرُّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ «لِتَأْخُذْ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ. ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا» فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمِينَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ- يَعْنِي أبا يزيد- حدثنا هلال يعنى ابن حبان عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مَوْلَاهُ- وَهُوَ السَّائِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ:
وَكَانَ لِي حَجَرٌ- أَنَا نَحَتُّهُ أَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ- قَالَ: وَكُنْتُ أَجِيءُ بِاللَّبَنِ الْخَاثِرِ الَّذِي آنَفُهُ عَلَى نَفْسِي فَأَصُبُّهُ عَلَيْهِ فَيَجِيءُ الْكَلْبُ فَيَلْحَسُهُ ثُمَّ يَشْغَرُ فَيَبُولُ عَلَيْهِ قَالَ: فَبَنَيْنَا حَتَّى بَلَغْنَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ وَلَا يَرَى الْحَجَرَ أَحَدٌ. فَإِذَا هُوَ وَسْطَ أَحْجَارِنَا مِثْلُ رَأْسِ الرَّجُلِ يَكَادُ يَتَرَايَا مِنْهُ وَجْهُ الرَّجُلِ. فَقَالَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ: نَحْنُ نَضَعُهُ وَقَالَ آخَرُونَ نَحْنُ نَضَعُهُ. فَقَالُوا اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ حَكَمًا. فَقَالُوا أَوَّلُ رَجُلٍ يَطْلُعُ مِنَ الْفَجِّ. فَجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَتَاكُمُ الْأَمِينُ. فَقَالُوا لَهُ فَوَضَعَهُ فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ دَعَا بُطُونَهُمْ فَرَفَعُوا نَوَاحِيَهُ فَوَضَعَهُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا وَكَانَتْ تُكْسَى الْقَبَاطِيَّ.
ثُمَّ كسيت بعد البرور. وَأَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاجَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانُوا أَخْرَجُوا مِنْهَا الْحِجْرَ- وَهُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشام- قَصَرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ أَيْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا أَنْ يَبْنُوهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وَجَعَلُوا لِلْكَعْبَةِ بَابًا وَاحِدًا مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ. وَجَعَلُوهُ