قَالَ نَعَمْ وَالشَّفَقِ وَالْغَسَقْ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقْ إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ عَلَيْهِ لَحَقٌّ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ شِقٌّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ شِعْرِ سَطِيحٍ قَوْلُهُ:

عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ ... وَلَا تَلْبِسُوا صِدْقَ الْأَمَانَةِ بِالْغَدْرِ

وُكُونُوا لِجَارِ الْجَنْبِ حِصْنًا وَجُنَّةً ... إِذَا مَا عَرَتْهُ النَّائِبَاتُ مِنَ الدَّهْرِ

وَرَوَى ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ ثُمَّ أَوْرَدَ ذَلِكَ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ فَقَالَ: وَأَخْبَارُ سَطِيحٍ كَثِيرَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ كَاهِنًا وَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ نَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ. وَرُوِيَ لَنَا بِإِسْنَادٍ اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ سَطِيحٍ فَقَالَ: «نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ» . قُلْتُ: أَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الْمَعْهُودَةِ وَلَمْ أَرَهُ بِإِسْنَادٍ أَصْلًا.

وَيُرْوَى مِثْلُهُ فِي خَبَرِ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ جَيِّدٍ لِسَطِيحٍ وَفِيهَا رَوَائِحُ التَّصْدِيقِ لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَ الْجَرِيرِيُّ. فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أُخْتِهِ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشُّرُفَاتْ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرٍ- أو شية- أَيْ أَقَلَّ مِنْهُ- وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِأَطْرَافِ الشَّامِ مِمَّا يَلِي أَرْضَ الْعِرَاقِ- فاللَّه أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ وما صار اليه.

وذكر ابن طرار الحريري [1] أَنَّهُ عَاشَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ فاللَّه أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ مَلِكًا سَأَلَ سَطِيحًا عَنْ نَسَبِ غُلَامٍ اخْتُلِفَ فِيهِ فَأَخْبَرَهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ مَلِيحٍ فَصِيحٍ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ يَا سَطِيحُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ عِلْمِكَ هَذَا؟ فَقَالَ إِنَّ عِلْمِي هَذَا لَيْسَ منى ولا بجزم وَلَا بِظَنٍّ وَلَكِنْ أَخَذْتُهُ عَنْ أَخٍ لِي قَدْ سَمِعَ الْوَحْيَ بِطُورِ سَيْنَاءَ. فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ أَخَاكَ هَذَا الْجِنِّيَّ أَهْوَ مَعَكَ لَا يُفَارِقُكَ، فَقَالَ إِنَّهُ لَيَزُولَ حَيْثُ أَزُولْ، وَلَا أَنْطِقُ إِلَّا بِمَا يَقُولْ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ وُلِدَ هُوَ وَشِقُّ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ بُسْرِ بْنِ عُقْبَةَ الْكَاهِنُ الْآخَرُ وُلِدَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَحُمِلَا إِلَى الْكَاهِنَةِ طريفة بنت الحسين الحميدية فَتَفَلَتْ فِي أَفْوَاهِهِمَا فَوَرِثَا مِنْهَا الْكِهَانَةَ وَمَاتَتْ مِنْ يَوْمِهَا. وَكَانَ نِصْفَ إِنْسَانٍ وَيُقَالَ إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَقَدْ مَاتَ شِقٌّ قَبْلَ سَطِيحٍ بِدَهْرٍ.

وَأَمَّا عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ حيان بن نفيلة الْغَسَّانِيُّ النَّصْرَانِيُّ فَكَانَ مِنِ الْمُعَمَّرِينَ وَقَدْ تَرْجَمَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ هُوَ الّذي صالح خالد بن لوليد على [2] .. وَذَكَرَ لَهُ مَعَهُ قِصَّةً طَوِيلَةً وَأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ يَدِهِ سُمَّ سَاعَةٍ فَلَمْ يُصِبْهُ سُوءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وباللَّه رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ أَذًى. ثُمَّ أَكَلَهُ فَعَلَتْهُ غَشْيَةٌ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ عَرِقَ وَأَفَاقَ رَضِيَ الله عنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015