الْخُرُوجِ مِنْهُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَهُوَ ازْوِرَارُهَا ذَاتَ الْيَمِينِ فَتَرْتَفِعُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَتَتَقَلَّصُ عَنْ بَابِ الْغَارِ ثُمَّ إِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ تَشْرَعُ فِي الدُّخُولِ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ الشَّرْقِيَّةِ قَلِيلًا قَلِيلًا إِلَى حِينِ الْغُرُوبِ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ بمثل هَذَا الْمَكَانِ وَالْحِكْمَةُ فِي دُخُولِ الشَّمْسِ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَنْ لَا يَفْسُدَ هَوَاؤُهُ (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ الله) 18: 17 أَيْ بَقَاؤُهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ دَهْرًا طَوِيلًا مِنَ السِّنِينَ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا تَتَغَذَّى أَجْسَادُهُمْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَبُرْهَانِ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) 18: 17- 18 قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ أَعْيُنَهُمْ مَفْتُوحَةٌ لِئَلَّا تَفْسُدَ بِطُولِ الْغَمْضِ (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) 18: 18 قِيلَ فِي كُلِّ عَامٍ يَتَحَوَّلُونَ مَرَّةً مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ وَيَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فاللَّه أعلم (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) 18: 18 قَالَ شُعَيْبٌ الْجَبَائِيُّ اسْمُ كَلْبِهِمْ حُمْرَانُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْوَصِيدُ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ كَلْبَهُمُ الَّذِي كَانَ مَعَهُمْ وَصَحِبَهُمْ حَالَ انْفِرَادِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ لَزِمَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الْكَهْفِ بَلْ رَبَضَ عَلَى بَابِهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْوَصِيدِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ أَدَبِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُكْرِمُوا بِهِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَمَّا كَانَتِ التَّبَعِيَّةُ مُؤَثِّرَةً حتى كان فِي كَلْبِ هَؤُلَاءِ صَارَ بَاقِيًا مَعَهُمْ بِبَقَائِهِمْ لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا سَعِدَ بِهِمْ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ كَلْبٍ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ تَبِعَ أَهْلَ الْخَيْرِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِكْرَامِ. وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُصَّاصِ وَالْمُفَسِّرِينَ لِهَذَا الْكَلْبِ نَبَأً وَخَبَرًا طَوِيلًا أَكْثَرُهُ مُتَلَقًّى مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَكَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ وَمِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي اسْمِهِ وَلَوْنِهِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَحَلَّةِ هَذَا الْكَهْفِ فَقَالَ كَثِيرُونَ هُوَ بِأَرْضِ أَيْلَةَ. وَقِيلَ بِأَرْضِ نِينَوَى. وَقِيلَ بِالْبَلْقَاءِ وَقِيلَ بِبِلَادِ الرُّومِ وَهُوَ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ الْأَنْفَعُ مِنْ خَبَرِهِمْ وَالْأَهَمُّ مِنْ أَمْرِهِمْ وَوَصَفَ حَالَهُمْ حَتَّى كَأَنَّ السَّامِعَ رَاءٍ وَالْمُخْبَرَ مُشَاهِدٌ لِصِفَةِ كَهْفِهِمْ وَكَيْفِيَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْكَهْفِ وَتَقَلُّبِهِمْ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ وَأَنَّ كَلْبَهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ. قَالَ (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) 18: 18 أَيْ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَهَابَةِ وَالْجَلَالَةِ فِي أَمْرِهِمُ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ وَلَعَلَّ الْخِطَابَ هَاهُنَا لجنس الإنسان المخاطب لا بخصوصية الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) 95: 7 أَيْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ وَذَلِكَ لِأَنَّ طَبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةِ تَفِرُّ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَهِيبَةِ غَالِبًا وَلِهَذَا قَالَ (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) 18: 18 وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ حَصَلَ وَلَمْ يَحْصُلِ الْفِرَارُ وَلَا الرُّعْبُ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَهُمْ مِنْ رَقْدَتِهِمْ بَعْدَ نَوْمِهِمْ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) 18: 19 أَيْ بِدَرَاهِمِكُمْ هَذِهِ يَعْنِي الَّتِي مَعَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهَا دَفْسُوسَ (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) 18: 19 أي أطيب مالا (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) 18: 19 أي بطعام تأكلونه وهذا من زهدهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015