يَا كَاشِفَ الضُّرِّ صَفْحًا عَنْ جَرَائِمِنَا ... لَقَدْ أَحَاطَتْ بِنَا يَا رَبِّ بَأْسَاءُ
نَشْكُو إِلَيْكَ خُطُوبًا لَا نُطِيقُ لَهَا ... حَمْلًا وَنَحْنُ بِهَا حقا أحقاء
زلازل تَخْشَعُ الصُّمُّ الصِّلَابُ لَهَا ... وَكَيْفَ يَقْوَى عَلَى الزِّلْزَالِ شَمَّاءُ
أَقَامَ سَبْعًا يَرُجُّ الْأَرْضَ فَانْصَدَعَتْ ... عَنْ مَنْظَرٍ مِنْهُ عَيْنُ الشَّمْسِ عَشْوَاءُ
بَحْرٌ مِنَ النَّارِ تَجْرِي فَوْقَهُ سُفُنٌ ... مِنَ الْهِضَابِ لَهَا فِي الْأَرْضِ أرساء
كأنما فوقه الأجبال طافية ... موج عليه لفرط البهج وعثاء
ترمى لها شررا كَالْقَصْرِ طَائِشَةٌ ... كَأَنَّهَا دِيمَةٌ تَنْصِبُّ هَطْلَاءُ
تَنْشَقُّ مِنْهَا قُلُوبُ الصَّخْرِ إِنْ زَفَرَتْ ... رُعْبًا وَتَرْعُدُ مثل السعف أَضْوَاءُ
مِنْهَا تَكَاثَفَ فِي الْجَوِّ الدُّخَانُ إِلَى ... أَنْ عَادَتِ الشَّمْسُ مِنْهُ وَهِيَ دَهْمَاءُ
قَدْ أَثَّرَتْ سُفْعَةً فِي الْبَدْرِ لَفْحَتُهَا ... فَلَيْلَةُ التِّمَّ بَعْدَ النُّورِ لَيْلَاءُ
تُحَدِّثُ النَّيِّرَاتِ السَّبْعَ أَلْسُنُهَا ... بِمَا يُلَاقِي بِهَا تَحْتَ الثَّرَى الْمَاءُ
وَقَدْ أَحَاطَ لَظَاهَا بِالْبُرُوجِ إِلَى ... أَنْ كَادَ يُلْحِقَهَا بِالْأَرْضِ إهواء
فيا لها آية من معجزات رسول ... اللَّهِ يَعْقِلُهَا الْقَوْمُ الْأَلِبَّاءُ
فَبِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الْمَكْنُونِ إِنْ عَظُمَتْ ... مِنَّا الذُّنُوبُ وَسَاءَ الْقَلْبُ أَسَوَاءُ
فَاسْمَحْ وَهَبْ وَتَفَضَّلْ وَامْحُ وَاعْفُ وَجُدْ ... وَاصْفَحْ فَكُلٌّ لِفَرْطِ الْجَهْلِ خَطَّاءُ
فَقَوْمُ يُونُسَ لَمَّا آمنوا كشف ... العذاب عَنْهُمْ وَعَمَّ الْقَوْمَ نَعْمَاءُ
وَنَحْنُ أُمَّةُ هَذَا الْمُصْطَفَى وَلَنَا ... مِنْهُ إِلَى عَفْوِكَ الْمَرْجُوِّ دَعَّاءُ
هَذَا الرَّسُولُ الَّذِي لَوْلَاهُ مَا سُلِكَتْ ... مَحَجَّةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَيْضَاءُ
فَارْحَمْ وَصَلِّ عَلَى الْمُخْتَارِ مَا خَطَبَتْ ... عَلَى عُلَا مِنْبَرِ الْأَوْرَاقِ وَرْقَاءُ
قُلْتُ: وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي أَمْرِ هَذِهِ النَّارِ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى» وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ- كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ أَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ الْحَنَفِيُّ الْحَاكِمُ بِدِمَشْقَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي الْمُذَاكَرَةِ، وَجَرَى ذِكْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ النَّارِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ يُخْبِرُ وَالِدِي بِبُصْرَى فِي تِلْكَ اللَّيَالِي أَنَّهُمْ رَأَوْا أَعْنَاقَ الْإِبِلِ فِي ضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ.
قُلْتُ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ وَالِدُهُ مُدَرِّسًا لِلْحَنَفِيَّةِ ببصرى وكذلك